1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ورثة إبراهيم على أرض النيل في متحف بوده ببرلين

كريستيانه كورت/ علاء جمعة١٠ أبريل ٢٠١٥

النبي إبراهيم هو والد شعوب عديدة. لتوضيح ذلك بشكل جلي، يقيم متحف بوده في برلين معرضاً خاصاً يشترك به اليهود والمسيحيون والمسلمون، الذين تربطهم العديد من الأواصر والصلات، فضلاً عن كونهم ورثة النبي إبراهيم.

https://p.dw.com/p/1F5Di
Bischof Abraham
صورة من: Staatliche Museen zu Berlin, Skulpturensammlung und Museum für Byzantinische Kunst/M. Hilbich

كان النبي إبراهيم من أوائل الاشخاص المعروفين الذين وضعوا الشرائع الدينية الداعية لوحدانية الإله، ودعواته كانت حجر الأساس للديانات السماوية الثلاث - اليهودية والمسيحية والإسلام، فهو سن طريقاً مختلفاً عن معتقد تعدد الآلهة الذي كان منتشراً في عصره. ولعل النقش الذي وضع على بداية المعرض ويحمل كلمة "الله" باللغات اليونانية والعبرية والعربية، هو أول ما يلفت انتباه الزائرين لهذا المتحف، الذي يحاول من خلال معروضاته أن يقدم التعايش للديانات المختلفة، التي سادت أرض مصر منذ العصور القديمة وحتى العصور المتوسطة، وهي الفترة التي يقدمها المتحف لزواره.

لذلك، فإن بداية المعروضات هي إبراز الأساس المشترك للديانات الثلاث، وهي الكلمة المكتوبة التي حفظتها الكتب المقدسة، إذ يبرز المتحف التنوع في الخطوط وفنون الكتابة والأشكال الخاصة بتلك الكتب، وهي القراَن والإنجيل والتلمود (الذي يشمل التوراة وأجزاء دينية يهودية أخرى هي الوصايا والنبوءات).

المعابد والكنائس والمساجد

يحتوي المعرض على 250 قطعة أثرية تم جمعها وعرضها بالتعاون مع العديد من المتاحف، إذ تم جمع القطع الأثرية من المتحف المصري ومتحف بيرغامون في برلين، بالإضافة الى اقتراض بعض القطع الأثرية من متاحف عالمية أخرى، مثل متحف اللوفر في باريس والمتحف البريطاني. وتم ترتيب المعروضات حسب موضوعاتها المختلفة لكي تعكس الحياة الدينية واليومية التي سادت أرض النيل، حيث ازدهرت المنطقة لقرون عديدة بأديانها وثقافاتها المختلفة، لا سيما مدينة الإسكندرية، التي اعتبرت بوتقة انصهار اللغات والثقافات المختلفة.

وتقول فريدريكه سيفريد، مديرة المتحف المصري في برلين: "وضعت القطع الأثرية المتنوعة، وهي عبارة عن قطع خزفية ومعدنية ومنحوتات خشبية وحجرية ومنسوجات وجواهر، في غرف مظلمة بشكل تام وسلطت الأضواء عليها بشكل مدروس كي تبدو أكثر وضوحاً ولتبرز التفاصيل المعروضة".

أما في داخل قبو المتحف المطلم، فقد عُرضت نقوش دينية مختلفة بشكل مضيء، بالإضافة إلى تماثيل ومجسمات وتصاوير تابعة لمساجد وكنائس وكنس يهودية.ولعل من أبرز معروضات المتحف حامل مياه حجري كان جزءاَ من شبكة مياه قديمة، تم عرضه بطريقة فنية ومحاط بنصوص دينية إسلامية ومسيحية ويهودية أخذت من الكتب المقدسة، تبين أهمية المياة في تلك الأديان.

Deutschland Bode-Museum Ausstellung Ein Gott - Abrahams Erben am Nil
قطعة اثرية معروضة في متحف بوده في برلينصورة من: Staatliche Museen zu Berlin, Museum für Islamische Kunst / Johannes Kramer

من إيزيس وحتى مريم العذراء

وبالرغم من أن ساحات العرض ليست واسعة، إلا أن المتحف يتطلب من زائريه الوقت الكافي للتمعن في معروضاته وفهمها. لذلك، يجد الزائر نفسه في تحد كبير لفهم حياة الناس اليومية والدينية من خلال المعروضات، التي تحاول بتنوعها أن تعكس واقع الحياة في القدم. ويشير المعرض بوضوح إلى التنوع الثقافي الذي عاشته أرص مصر من خلال التقاء الأديان والثقاقات على أرضها، وبأن التنوع الذي عاشته أرض النيل هو أكبر مما يتصوره الناس، وكيف تأثرت تلك الأديان ببعضها البعض.

ويمكن تتبع ذلك جيداً في الرسومات المختلفة والمنحوتات. من جانبها، تقدم مديرة المتحف سيفريد مثالاً على تأثر الأديان ببعضها البعض، ألا وهي صور "الإلهة الأم الشرقية"، فبحسب مديرة المتحف المصري "فإن هذه التصاوير تظهر الأم إيزيس (الفرعونية) وهي ترضع ابنها حورس، ثم انتقلت تصاوير الأم المرضعة (عبر الزمن) لتظهر ضمن التقاليد المسيحية الدينية المبكرة لمريم الذعراء وهي ترضع ابنها عيسى اليسوع.

التعايش السلمي بين اليوم والأمس

وفي نهاية الجولة، يظهر الموضوع الأخير للزائرين، وهو معالجة الديانات الثلاث لموضوع الموت، إذ يعرض المتحف مجموعة من شواهد القبور المنتمية للديانات السماوية الثلاث، وهو ما توضحه فريدريكه سيفريد بالقول: "هذا الموضوع لم يعرض سابقاً في أي معرض مماثل ... كما أن الموت ليس نهاية الرحلة بالنسبة للديانات الثلاثة، بل هو بداية لمستقبل جديد، لذلك لا ننهي الموضوع بشكل حزين بل بصور تمثيلية للجنة، والتي تأتي في جميع الديانات السماوية على صورة حديقة".

Deutschland Bode-Museum Ausstellung Ein Gott - Abrahams Erben am Nil
قطعة أثرية على شكل سمكة معروضة في متحف بودهصورة من: Staatliche Museen zu Berlin, Skulpturensammlung und Museum für Byzantinische Kunst / Antje Voigt, 2012

تاريخ الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمية الثلاث لم ينته بالعصور الوسطى، باعتبارها نهاية الحقبة التاريخية التي يقدمها المعرض، فالمتحف يحاول بناء جسر يربطه بالحاضر، وذلك من خلال عرض سلسلة من مقاطع الفيديو والأفلام الوثائقية التي تصور أشخاصاً عاديين ورجال دين من مصر يتحدثون عن معتقداتهم الدينية والعيش المشترك في العصر الحديث. كما يتم عرض أفلام وصور لأعياد وتقاليد دينية تظهر أهمية هذه المعتقدات في الحياة اليومية والمسلكيات العامة للناس.

الرسالة التي يريد المتحف إيصالها من خلال الصور والأفلام والمعروضات الأثرية المختلفة هي أن التعايش السلمي بين الأديان المختلفة هو "أمر ممكن، إلا أنه يتطلب شروطاً"، بحسب ما تقول مديرة المتحف المصري في برلين، التي تضيف: "في الحقيقة، بعد الفتوحات الإسلامية، كان مثل هذا التعايش الجيد ممكن، وبكل تأكيد فإن الحكام المسلمين أبدوا تسامحاً مع الطوائف الأخرى، ولكن الوضع الاقتصادي ساعد أيضاً على جعل هذا التعايش ممكناً ... أعتقد أنه كلما كان الاقتصاد لمجتمع ما جيداً، كلما قلّ احتمال وجود نزاع طائفي فيه".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد