1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تاريخ ألمانيا: منذ تحقيق الوحدة وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى (الحلقة 3)

١٣ يونيو ٢٠٠٧

عملت سياسة الحديد والدم لبسمارك على توحيد ألمانيا وارتفعت بها إلى مصاف الدول المتقدمة، لكنها مثلت من جهة أخرى أرضا خصبة لنشوء الأفكار القومية والعسكراتية المتطرفة.

https://p.dw.com/p/Ajba
بسمارك: الرجل الحديدي وحلم الكثيرين من القوميين العرب

ترتبط العقود التي تلت تأسيس الرايخ الألماني في عام 1871 بشخصية وسياسة أول مستشار للرايخ الألماني أتو فون بسمارك والذي درج المؤرخون على تقسيم فترة حكمه الى مرحلتين. ففي السنوات الأولى حاول بسمارك استمالة بعض القوى الليبرالية في مساعيه الرامية للحد من نفوذ القوى المحافظة، وخاصة حزب الوسط الذي كان يمثل الكنيسة الكاثوليكية. وكانت سياسة بسمارك تهدف حينها بشكل خاص الى تأكيد الطابع العلماني للدولة وتحجيم دور الكنيسة الكاثوليكية في الحياة السياسية. كما انعكس هذا التوجه الليبرالي على الصعيد الاقتصادي في اعتماد سياسية تقوم على مبدأ حرية التجارة. وارتبطت هذه السياسة بتحقيق تطور اقتصادي وصناعي ملموس في السنوات الأولى، إذ شهد مطلع سبعينات القرن التاسع عشر انتعاشا اقتصاديا ملحوظا مكنّ ألمانيا من تجاوز فرنسا كثاني قوة اقتصادية في أوروبا.

ومع انتهاء عقد السبعينات بدأت المرحلة الثانية من عهد بسمارك والتي تميزت بتعاظم نفوذ القوى المحافظة. و تجلى هذا التوجه في تشديد الموقف المعادي للتيارات اليسارية والذي توج في عام 1878 بإصدار ما يدعى بقانون الاشتراكيين والذي صيغ خصيصا لمحاربة الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

من جهة أخرى حاول بسمارك الوقوف بوجه تغلغل الأفكار الاشتراكية والراديكالية وسط الحركة العمالية من خلال تحسين أوضاع العمال المعيشية واعتماد نظام متطور للتأمينات الاجتماعية. وتمثلت أهم الخطوات في هذا المجال في تطبيق التأمين الصحي في عام 1883 والتأمين ضد الحوادث في عام 1884 وأخيرا التأمين الاجتماعي في عام 1889. ورغم أهمية هذه الإجراءات من الناحية الاجتماعية إلا أن سياسة بسمارك الرامية الى القضاء على الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحد من نفوذه وسط العمال لم تؤد الى النتائج المطلوبة في ظل نجاح الحزب المذكور في الحصول على نسبة متزايدة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية والتي مكنته اعتبارا من نهاية عقد الثمانينات من التحول الى لاعب أساسي في الحياة السياسية والبرلمانية في ألمانيا.

على صعيد آخر شهد الرايخ الألماني في فترة ما بعد الوحدة الألمانية اتساع ظاهرة عسكرة المجتمع وتمجيد الروح العسكرية البروسية. وقد وجدت هذه الدعوات أرضا خصبة من خلال توظيف انتصارات الجيش البروسي في حروبه ضد النمسا وفرنسا. ولم تقتصر مظاهر العسكرة على الجيش فقط وإنما امتدت آثارها الى صفوف المدارس أيضا. كما أنشئت الآلاف مما يدعي بجمعيات المحاربين ، وهي منظمات أهلية تقوم على مبدأ تمجيد القيصر والجيش كضمانة لألمانيا الموحدة.

أما في مجال السياسة الخارجية فقد حاولت ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر الحفاظ على التوازنات القائمة وسط أوروبا من خلال الدخول في تحالفات مع الدول الكبرى حينذاك كالنمسا وروسيا بشكل خاص، إضافة الى بريطانيا وايطاليا . غير أن هذه التحالفات كانت تتسم بالطابع المؤقت ولم تنجح في حل التناقضات المستعصية بين مصالح هذه الدول. كما بقيت حالة التوتر هي الطاغية على العلاقات مع فرنسا.

نهاية حقبة بسمارك

Deutschland Kaiser Wilhelm II im Exil in Doorn Niederlande
القيصر الألماني فيلهلم الثاني في منفاه الهولنديصورة من: picture-alliance / akg-images

في عام 1888 توفي فيلهلم الأول ليخلفه على عرش ألمانيا ابنه المريض فريدرش والذي توفي بدوره بعد 99 يوما فقط من اعتلائه العرش ليمهد الطريق لابنه فيلهلم الثاني الذي توج قيصرا للرايخ الألماني. ومنذ البداية حاول القيصر الشاب الحد من نفوذ مستشار الرايخ المخضرم أوتو فون بسمارك ما أدى إلى تفاقم الخلافات بينهما ووصولها الى نقطة اللاعودة. وقد تكللت هذه التطورات في الثامن عشر من آذار/مارس 1890 بتنحي بسمارك عن جميع مناصبه. ومن خلال تعيين مستشار جديد بدأ القيصر فيلهم الثاني باعتماد نهج جديد في السياسية الداخلية والخارجية للرايخ الألماني. وتمثل ذلك في البداية في محاولة أخذ التحولات الاجتماعية الناجمة عن عملية التصنيع بنظر الاعتبار من خلال تحسين الخدمات الاجتماعية والسعي لكسب طبقة العمال وإلغاء قانون ملاحقة الاشتراكيين. بيد أن هذه السياسة أيضا فشلت في احتواء نفوذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وهو ما دفع فيلهم الثاني للعودة الى سياسة بسمارك القائمة على القمع، الأمر الذي ألقى بظلاله القاتمة على الحياة السياسية والبرلمانية في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

السياسة الخارجية عشية الحرب العالمية الأولى

Der im Zweiten Weltkrieg zerstörte Kuppellesesaal der Staatsbibliothek zu Berlin, Haus Unter den Linden
أثار الدمار في برلين بعد الحرب العالمية الثانيةصورة من: Staatsbibliothek zu Berlin - Preußischer Kulturbesitz

تجلى النهج الجديد للقيصر فيلهلم الثاني على صعيد السياسة الخارجية في عدم تجديد معاهدة عدم الاعتداء مع روسيا القيصرية عام 1890 الأمر الذي دفع الأخيرة الى إبرام اتفاقية عسكرية مع فرنسا في عام 1894 . وردت ألمانيا بدورها على ذلك بالإعلان عن خطط توسيع أسطولها الحربي. ورغم معارضة بعض الأحزاب وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي الديمقراطي لهذه الخطط إلا أن البرلمان صادق على تعزيز الأسطول بسفن حربية ذات طابع هجومي. وقد جرى ذلك وسط حملة دعاية واسعة لكسب الرأي العام الألماني من خلال نشر الأفكار القومية المتطرفة. وكان لهذه القرارات أثر بالغ السلبية على العلاقات مع بريطانيا العظمي التي رأت فيها تهديدا لمصالحها. والنتيجة كانت اندلاع سباق محموم للتسلح في أوروبا وخصوصا بين ألمانيا و بريطانيا.

من جهة أخرى عمدت ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر الى توثيق علاقاتها بالإمبراطورية العثمانية. ويندرج ضمن هذا التوجه الاتفاق على مشروع خط حديد برلين- بغداد والذي رأت فيه بريطانيا محاولة جديدة لتهديد مناطق نفوذها. وقد ردت بريطانيا على هذه السياسة بالسعي للتقارب مع فرنسا والذي تكلل في عام 1904 بالإعلان عن اتفاقية التفاهم الودي مع فرنسا. وفي عام 1907 انضمت روسيا الى هذه الاتفاقية التي تحولت الى حلف ثلاثي والذي ضم القوى الرئيسية للحلفاء في مواجهة قوى المحور أثناء الحرب العالمية الأولى. واشتدت النزاعات بين القوى الأوروبية نتيجة للسياسات الاستعمارية ومحاولات توسيع مناطق النفوذ في إفريقيا وآسيا. ومع تفاقم الصراعات الدولية لم يتطلب الأمر سوى شرارة لكي تندلع حرب كبرى. وجاءت هذه الشرارة عندما أقدم صربي متطرف على اغتيال ولي العهد النمساوي فرانس فرديناند في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو عام 1914 في سراييفو. ورغم النجاحات الأولى للجيش الألماني في المعارك مع قوات الحلفاء إلا أن طول أمد الحرب حولها الى حرب خنادق استخدمت فيها مختلف الأسلحة وبما فيها الأسلحة الكيماوية وأسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح لدى الطرفين. وقد أدى تلاشي الأمل بتحقيق نصر عسكري سريع في نهاية المطاف الى تعميق الأزمة السياسية في ألمانيا.

ناجح العبيدي