1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الغنوشي لـ DW: النظام القديم لم يمت في تونس ومصر بحاجة لتوافق

أجرى الحوار في تونس، منصف السليمي ١٩ ديسمبر ٢٠١٢

يرى راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي التونسي أن أقدام حزبه تترسخ بعد أول سنة له في الحكم، بخلاف ما يتوقعه خصومه، لكنه اعترف بصعوبات. في حوار مع DW أبدى الغنوشي قلقه إزاء الوضع في مصر معربا عن أمله بتحقيق توافق وطني.

https://p.dw.com/p/175Xq
Auf dem Bild: Der Vorsitzende der in Tunesien regierenden islamistischen Ennahda-Partei, Rached Ghannouchi. Aufnahmedatum: 11 Dezember 2012, Tunesien. Rechte: Moncef Slimi, DW Redakteur.
صورة من: DW/M.Slimi

اعترف راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي التونسي، بوجود صعوبات عديدة تواجه حزبه في أول سنة له في الحكم. وقال الغنوشي في حوار خاص لـ DWإن الائتلاف الحاكم والذي يضم الحزب الإسلامي مع حزبين علمانيين، بصدد تقييم تجربة السنة والأولى وعلى أساسها يتم تعديل حكومة الجبالي.

تطور التجربة الديمقراطية في تونس بعد سنتين من الثورة ما تزال تواجهها عقبات لأن" النظام القديم لم يمت" ولكن الثورة التونسية لديها عناصر "تؤهلها للنجاح"كما قال الغنوشي، الذي أعرب عن أملهأيضا بأن تجتاز مصر الأزمة الحالية عبر"توافق وطني"، وأشار إلى تأثير مصر الكبير على الوضع في المنطقة برمتها. كما أشاد بالدور الألماني في دعم التجربة الديمقراطية في تونس.

وفيما يلي نص الحوار:

DW:بعد حوالي سنة من حكومة الجبالي التي يقودها حزبكم، تبدو الانتقادات كثيرة لحصيلتها، فهل ان تعديلها كاف أم أن هنالك معضلات تواجه حزبكم في ممارسة الحكم لأول مرة؟

راشد الغنوشي:هناك صعوبات حقيقية، فنحن نمر بمرحلة انتقالية، وإدارة الحكم في المراحل الانتقالية أمره لا يكون يسيرا. كما ان إدارة حكومة ائتلافي وطني تضم حزبا إسلاميا وحزبين علمانيين أمر ليس سهلا. وهنالك تحديات حقيقية تعود إلى ظروف التحول من نظام دكتاتوري عاش أكثر من خمسين سنة إلى نظام ديمقراطي، وإلى كيفية ممارسة الحرية، فهذا شعب كبت أكثر من نصف قرن، والآن يزول الكبت وتنطلق الألسن وتزول الحواجز وتحضر كل المطالب دفعة واحدة. ولذلك فهنالك حاجة إلى التدرب على ممارسة الحرية كي تكون حرية مسؤولة. ونحن الآن في مرحلة نحاول خلالها الجواب على سؤال: كيف نوفِق بين مقتضيات الحرية ومتطلبات النظام.

Auf dem Bild: Der Vorsitzende der in Tunesien regierenden islamistischen Ennahda-Partei, Rached Ghannouchi. Aufnahmedatum: 11 Dezember 2012, Tunesien. Rechte: Moncef Slimi, DW Redakteur.
راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة في حوار للزميل منصف السليمي بتونسصورة من: DW/M.Slimi

هنالك مطالب واضحة لاحظت أنها ترفع بحدة في مناطق مختلفة من البلاد وكانت من منطلقات الثورة، وخصوصا منها العمل بالنسبة للشبان الحاصلين على شهادات جامعية؟ ومن المؤاخذات على الحكومة وحزبكم، مثلا، استمرار مظاهر الفساد في انتدابات فرص العمل؟

الحكومة تُهرِئ الأحزاب لأن ممارسة السلطة بطبيعتها عامل تهرئة للأحزاب، لكن الأحزاب أيضا تتعلم من تجاربها وتنميها وتتجاوز أخطاؤها. فهذه حكومة جديدة،وأعضاؤها سواء كانوا إسلاميين أوغير إسلاميين، ليس لهم تجربة. وقد قامت الثورة ضد من لهم تجربة، أعني تجربة في النهب وفي تزييف الانتخابات وفي مغالطة الرأي العام.

ونحن لدينا حكومة نظيفة اليد وأعضاؤها مثقفون ومن حاملي الشهادات العليا، ولكنهم أيضا يتدربون ويستفيدون من التجربة في الإدارة، لأن هنالك إدارة والدولة التونسية لم تسقط ولم تنحل، والكفاءات هناك. والقادة السياسيون (الوزراء) يستعينون بإداراتهم في تسيير شؤون الدولة.

هنالك صعوبات لكن التجارب تتراكم، ونتوقع أن يكون قادم الأيام أفضل من الأحدَ عشر شهرا التي أمضتها الحكومة حتى الآن، لأن البرامج قد أُعدَت وميزانيات التنمية تأخرت في تنزيلها بالمناطق، ولذلك أحسب أن المشكلات سيكون حلها في المستقبل أيسر. أي أن تنفيذ برامج التنمية سينعكس على موضوع البطالة، وستكون الإدارة أكثر استيعابا للخريجين.

ولماذا يستعصى حل مشكلة البطالة لحد الآن؟

في حقيقة الأمر لدينا مشكلة بطالة مزمنة، صحيح أن معدلها كان في العهد السابق في حدود 14 إلى 15 في المائة، وهذا ما كان يعلنه النظام، ولكنها كانت أكبر في حقيقة الأمر. فقد كانت في السنة الأولى للثورة بمعدل 18 في المائة والآن نزلت إلى 17 في المائة، ولذلك فإن البطالة ليست في حالة تفاقم بل في تراجع.

ولدينا مشكلة خاصة تتمثل في بطالة خريجي الجامعات، الذين يريدون أن يعملوا في مكاتب، مقابل استفحال مشكل ندرة اليد العاملة، فالبلاد بحاجة إلى مئات الآلاف. مثلا لجني الزيتون، وجني التمور، وفي مقاولات قطاع البناء الذي أصبح يستقدم عمالة افريقية.

وهل يعني ذلك أن النظام التعليمي الذي طالما افتخرت به تونس، بدوره يتطلب إصلاحا، كي يصبح أكثر ملائمة لمتطلبات سوق العمل مثلا؟

تماما، هنا يكمن موطن الداء، فنحن إزاء نظام تعليمي لا يستجيب لمطالب السوق. فالسوق وحاجاته في وادي والنظام التعليمي في وادي آخر، وهذا يتطلب وقتا لملاءمة التعليم مع متطلبات السوق والوضع الاقتصادي الذي يضطر الآن لاستقبال مئات الآلاف من اليد العاملة من إفريقيا ومن المغرب ومن مصر.

ما هي خلفيات الأزمة الحالية القائمة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، وهل يُؤشر الإعلان عن إضراب عام إلى اصطدام بين حزبكم وقطاع واسع من شرائح المجتمع التي تمثلها هذه المركزية النقابية العريقة؟

الخلاف بين النقابات والحكومات وبين النقابات وبين أرباب العمل، ليس أمرا خاصا بتونس. وإذا كانت الحريات النقابية قد كبتت خلال العقدين الماضيين، ولم يكن فيها إضرابات قوية، فمرد ذلك إلى قوة آلة القمع البوليسي ولأن النقابة اضطرت أو حُملت على الاندماج مع السلطة. لكن كانت هنالك إضرابات(قطاعية) ولكن لم يكن هنالك إضراب عام خلال 23 سنة من الدكتاتورية. وفي تاريخ تونس المستقلة كان هنالك إضراب واحد سنة 1978 وكانت الأزمة في أوْجِها بين الاتحاد والحكومة.

والآن نحن في حكومة الثورة ولم تعد الحريات مقموعة والناس يعبرون عن آرائهم والنقابات تمارس الإضرابات بدون خوف وبدون قمع، وهذا أمر طبيعي في ظل الديمقراطية.

ونحن نتوقع أن الأزمة القائمة الآن في طريقها للحل، لأنه ليس هنالك أزمة اجتماعية، بل انه في نفس اليوم (4 ديسمبر/كانون الأول) الذي أعلن فيه عن اتفاق عقد اجتماعي بين النقابة واتحاد أرباب العمل والحكومة، أعلنت المركزية النقابية بعد ساعات قليلة عن الإضراب العام، أي أنه لا توجد أزمة اجتماعية في حقيقة الأمر، وما حصل عليه العمل من زيادات(من 6 إلى 8 في المائة) في رواتبهم لم يحصلوا عليها في تاريخهم الحديث.

Auf dem Bild: Die Union Générale Tunisienne du Travail (UGTT),tunesischen Gewerkschaftsdachverband mit Sitz in Tunis Aufnahmedatum: 10 Dezember 2012, Tunesien. Rechte: Moncef Slimi, DW Redakteur.
صورة من: DW/M.Slimi

ما هو المشكل إذن بين حزب النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل؟

يمكن القول أن المشكل سياسي، وربما نفسي، حيث شعر الاتحاد بأن الناس الذين تظاهروا أمام مقره ورفعوا شعارات مضادة له، رأى فيها إساءة له، وفسر ذلك بأن حزب النهضة هو الذي دفعهم إلى ذلك، وبُنيت على هذا التفسير الدعوة إلى الإضراب العام، كنوع من رد الاعتبار.

ونحن نرى في الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة وطنية عريقة وشريكة في تحرير البلاد وفي بناء الدولة والتنمية، وشريكة في الثورة، ولذلك لا نرى التصادم حتما لازما بل التعاون هو المطلوب، ونقدر بان هنالك قيادات تغلب العقل والمصلحة.

الصعوبات تطال أيضا الائتلاف الحكومي، فقد هدد شريككم حزب المؤتمر بالانسحاب من الحكومة إذا لم تؤخذ اقتراحاته بعين الاعتبار في تشكيل حكومة كفاءات وطنية؟

ما من ائتلاف في الدنيا إلا وتكتنفه صعوبات ومشكلات وتوفيق بين إرادات وبرامج مختلفة، فهذا أمر طبيعي، بل انه داخل كل حزب هنالك اختلافات. والترويكا هي مبادرة للالتقاء بين ثلاثة أحزاب تجمعها قناعة بان مصلحة البلاد تقتضي مثل هذا الائتلاف وتجاوز الاختلافات التقليدية بين إسلاميين وعلمانيين. وقادة الائتلاف لا يزالون يكررون تمسكهم بهذا الائتلاف باعتباره مصلحة وطنية ولصالح الثورة ولصالح انجاح مرحلة التحول الديمقراطي، ولذلك فأنا اعتبران الائتلاف مستمر وان أطرافه قد تريد أن تحسن أوضاعها، وهذا من حقها.

وماذا تقصدون بتحسين أوضاعها، في أفق الانتخابات المقبلة مثلا؟

تحسن أوضاعها في أفق الانتخابات، وفي داخل السلطة، فهذا أمر مشروع في السياسة. ومادام الجميع مقتنعون بضرورة استمرار الائتلاف فسيستمر، وهذا ما يعلنه قادة الأحزاب المكونة له، بأنه مستمر إن شاء الله وربما يتوسع. ولكن هذا لا يمنع من حصول تغييرات وزارية، وهنالك أصلا وزارات شاغرة مثل وزارتي المالية والإصلاح الإداري.

ما هي ملامح التغيير المرتقب في الحكومة، وبالنسبة لكم كحزب، بعد ظهور صعوبات في الواقع ألستم بصدد مراجعة المعايير التي عينتم على أساسها عددا من الوزراء؟

بعد سنة من ممارسة الحكم، نحن وشركاؤنا بصدد تقويم هذه التجربة. وستكون التغييرات على أساس هذا التقويم.

يرصد المراقبون ظهور تكتلات سياسية جديدة، في اليسار نجد الجبهة الشعبية وفي الوسط نجد تحالف يتشكل بين الحزب الجمهوري(يسار وسط) وحزب"نداء تونس" (يقوده رئيس الحكومة المؤقتة السابق الباجي قائد السبسي)، ويبدو أن الهدف المشترك بينها هو أنها تناوئ حزب النهضة، ألا تتخوفون من اتساع جبهات معارضيكم؟

لا يدعونا ذلك للتخوف، بالعكس نحن نرى أنه في الوضع الطبيعي في الديمقراطية أن تكون هنالك أحزاب كبيرة متنافسة على السلطة. وليس طبيعيا، عدا كوننا نمر بمرحلة انتقالية، أن نجد في تونس البلد الصغير 144 حزبا سياسيا، لأنه ليس لدينا 144 فكرة أو إيديولوجية و144 برنامج، حتى يكون هذا العدد من الأحزاب، فهذا وضع غير طبيعي.

ونرى أن من مصلحة استقرار البلد أن تندمج الأحزاب المتقاربة فكريا وإيديولوجيا ويكون لدينا حزبان أو ثلاثة، ونحن نريد أن نجد مع من نتنافس ومع من نتحالف، ولذلك فمن مصلحة الديمقراطية أن تتم عمليات اندماج بين الأحزاب ونصل إلى وضع طبيعي ومعقول.

يثير مشروع قانون تحصين الثورة، انتقادات حتى من قبل بعض الأطراف أو الشخصيات القريبة من حزبكم، فلماذا تتمسكون به؟

مشروع القانون ما يزال مطروحا أمام المجلس الوطني التأسيسي، وهو ليس بدعا في تاريخ الثورات، فالثورات كلها تكون عادة مهددة بأعمال ومشاريع مضادة لها عودا للنظام القديم، لأن النظام القديم لم يمت.

وأين تتجلى بقاياه أو مواقع حياته؟

النظام القديم ما يزال موجودا في الإدارة والإعلام وفي المال وفي السياسة. ولأن في البلاد ثورة فحراسها وأهلها مطلوب منهم أن يدافعوا عن ثورتهم وأن لا يسمحوا للنظام القديم بالعودة ولو متنكرا في أشكال جديدة، فهذا نوع من الحماية السياسية وليس حكما بتجريم شخص، لأن الجريمة طبيعتها فردية. وهناك وزارة للعدالة الانتقالية تتولى ملف محاسبة هؤلاء أفرادا وليس بالجملة، لأن الجريمة طبيعتها فردية.

ولماذا ينفرد حزبكم بالتمسك برابطات حماية الثورة التي توجه لها انتقادات من أطراف عديدة؟

ليس حزب النهضة وحده من يتمسك برابطات حماية الثورة، فهناك أيضا حزب المؤتمر وحزب وفاء الذي يعتبر أشد حماسا من النهضة في التمسك بهذه اللجان. وكذلك الأمر بالنسبة لقانون تحصين الثورة، فالأمر ليس بتلك الصورة التي يحاول البعض ترويجها بشأن وجود انقسام إيديولوجي بين علمانيين وإسلاميين. والاستقطاب الحقيقي يوجد بين من يريدون التغيير الديمقراطي والذين يريدون العودة بالبلاد للنظام الدكتاتوري، أي مع الثورة أو ضد الثورة. أما رابطات الثورة فقد ساهمت أطراف كثيرة في تأسيسها بما فيها الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد أحدثت إبان الثورة عندما غابت الدولة وأصبحت أموال الناس وأعراضهم وأرواحهم في خطر، وانطلقت من أمن الأحياء وصولا إلى دورها في تظاهرات القصبة واحد واثنين، التي أطاحت بحكومات، وأصبحت لها شرعية، فمن يستطيع أن يتهمها باللاشرعية، ثم هي ليست مسلحة فهي مدنية وتتكون من شباب ثوري، وتعمل في إطار القانون.

في بلادنا ليس هنالك من يحمل السلاح إلا الأمن والجيش، وكل سلاح آخر هو سلاح غير مشروع، وهو غير موجود.

ولكن لماذا لم يحسم ملف العدالة الانتقالية الذي يتولاه وزير من حزب النهضة، لماذا تتأخر تعويضات ضحايا النظام السابق ومحاسبة المتورطين في الفساد وفي عمليات قتل خلال الثورة؟

نحن لسنا راضين عن وتيرة سير هذا الملف، لكنها طبائع الأمور، فهذه وزارة جديدة وقد ذهبت تجمع تجارب في العدالة الانتقالية للاستفادة منها، من أنحاء مختلفة مثل الشيلي وجنوب افريقيا، وجمعت ملفات، وأعدت قانونا لتقديمه للمجلس التأسيسي وسيناقش قريبا. كنا نتمنى أن يكون السير أسرع، لكن الأمور تسير بتدرج إلى حين الوصول إلى هذه اللحظة، الأمر الذي أخَر موضوع المحاسبة وأعطى انطباعات ليست جيدة عند الناس، لأنهم يرون مجرمين يسرحون ويمرحون في البلاد بدون أن يحاسبهم أحد.

صحيح ثورتنا سلمية، ولكن المعتقلين حاليا على ذمة التحقيقات هم عشرة أو اثنى عشر شخصا، فأين هم الذين قامت ضدهم الثورة ونهبوا وقمعوا وزيفوا الانتخابات، هؤلاء طلقاء ، لأن الشعب التونسي مسالم، ولم يذهب الضحايا للانتقام من جلاديهم، فبقي الجميع ينتظر أن تقوم العدالة بمسؤوليتها في محاسبة الذين عذبوا الناس ومن نهبوهم.

هنالك عدم وضوح إزاء استحقاقات مثل صياغة الدستور وموعد تنظيم الانتخابات المقبلة، وهو ما يثير انتقادات كثيرة أيضا، فلماذا لم تحسم أجندة هذه الاستحقاقات؟

هنالك تقدير بأن سير المجلس التأسيسي في حسم هذه الأمور بطيء، فقد وقعنا على وثيقة تتضمن مدة سنة لأعمال المجلس، لكن تبين بأن تقديراتنا لم تكن موضوعية. فقد استغرق تشكيل المجلس وهيكلته ووضع قانونه الداخلي والاتفاق على قانون ينظم السلطات خلال فترة ولاية المجلس، هذه الأمور أخذت وقتا. وكذلك فإن المجلس ليست مهمته سن الدستور فقط، بل أيضا مراقبة الحكومة وسن القوانين التي تعمل الحكومة في إطارها، الأمر الذي شتت نشاطه على عدة جبهات ومجالات، وأدى ذلك إلى تأخير في انجاز المهمة الأساسية التي انتخب من أجلها، المتمثلة في سن الدستور. ونحن نتوقع أن يتم ذلك في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وان ننجح في تنظيم انتخابات في بداية الصيف القادم.

ما ردكم على بعض التأويلات المحلية القائلة بأن حزب النهضة لا يرغب في حسم هذه الأمور بسرعة، بهدف تأخير موعد الانتخابات وعدم تنظيمها الآن، لأن الظرفية غير مناسبة له انتخابيا، بسبب اتساع الاحتجاجات وحِدَتها أحيانا في بعض المدن؟

هذا ليس صحيحا، وسياسة حزب النهضة تكمن في التعجيل بإنهاء المرحلة المؤقتة، لأن الوضع مادام يوصف بأنه مؤقت، حكومة مؤقتة، رئيس مؤقت، فهذا كله لا يشجع الاستثمار ولا يعطي الثقة الكافية في نظامنا. ولذلك نريد أن نفرغ بأقصى سرعة ممكنة من المرحلة الانتقالية، حتى توضع البلاد على سكة عادية وتعطى عهدة خمس سنوات للحكومة التي ستتولى الأمور في المرحلة القادمة، يستطيع خلالها أن يطبق برامجه ويكسب ثقة العالم.

ولذلك فإن مصلحة بلادنا قبل مصلحة حزبنا، ومصلحة حزبنا في التعجيل أيضا، لأنه كلما ابتعدنا زمنيا هنالك احتمال بأن تتهرَى(تتراجع) شعبيتنا وليس أن تزداد. ونحن نعتبر أن شعبيتنا جيدة الآن، ونريد أن نذهب للانتخابات أيضا.

Auf dem Bild: .Demo für Frauenrechte in Tunis am 10.12.2012.auf Arabisch jungen plädieren für "Respekt der Allgemeine Erklärung der Menschenrechte". Aufnahmedatum: 10 Dezember 2012, Tunesien. Rechte: Moncef Slimi, DW Redakteur.
نشطاء حقوق الانسان في تظاهرة أمام مقر المجلس الـاسيسي في تونسصورة من: DW/M.Slimi

توصلتم لصيغة توافقية فيما يتعلق بوضع الدين والدولة في الدستور، حيث تم الاحتفاظ بالفصل الأول من الدستور السابق، لكن مخاوف الهيئات المدافعة عن حقوق المرأة ما تزال قائمة، لماذا لا تقومون بخطوة مشابهة وخصوصا فيما يتعلق بالفصل 27 من مشروع الدستور؟

لا أحد يزايد على حزب النهضة في موضوع المرأة، فأكبر عدد من النساء في المجلس التأسيسي هن من النهضة (43 من أصل 52)، وضمنهن متحجبات وغير متحجبات. وهنالك افتعال ومحاولة لتشويه الخصم السياسي اعتمادا على صناعة التخويف للنساء والغرب من الإسلاميين. فصناعة الخوف والتخويف من الإسلاميين التي زرعها بن علي في هذه البلاد، ومحاولة تقديمهم على أنهم مصدر خطر على الحداثة والديمقراطية وحقوق المرأة وعلى الغرب، هذه سياسة ورثها بعض الناس عن بن علي، ولكن النساء التونسيات لا يصدقن ذلك، وهن يشكلن أغلبية الناخبين الذين صوتوا ومكنوا حزب النهضة من الفوز في الانتخابات.

إنها مخاوف وهمية وأمور مفتعلة وتدور أحيانا حول مصطلحات يتم تأويلها، مثلا مصطلح التكامل بين المرأة والرجل، الذي ورد في إحدى فصول مشروع الدستور.

لماذا لا يتم التأكيد على مصطلح المساواة بين المرأة والرجل، واستبعاد ما هو مثير للتأويلات والمخاوف إذن؟

تم التنصيص على المساواة ثلاث مرات في مشروع الدستور، أما التكامل فهو معنى آخر يشير إلى الأسرة وضرورة التكامل بين المرأة والرجل. ولكنه مصطلح جديد على القاموس النسوي والحداثي، فلم يُستصغ. ولأنه أيضا يشير إلى معنى يخالف المفهوم الليبرالي القائم على الفرد بينما يشير هذا المصطلح إلى معنى التشارك ووجود علاقة، والتاء في اللغة العربية تعني اشتراك، وفي القرآن الكريم تقول الآية "هنَ لباس لكم وأنتم لباس لهنَ". أي أن هنالك تكاملا بين المرأة والرجل وكلاهما يكمل الآخر ومرتبط به، في نهاية المطاف فإن التكامل هو معنى من معاني المساواة. وليس معناه أن المرأة هي(فقط) من يكمل الرجل، كما تم الترويج له.

في كتابكم حول "الحريات العامة في الدولة الإسلامية"، وعندما كنتم في المعارضة حاولتم تقريب المفاهيم الإسلامية من مبادئ العلمانية والدولة المدنية، ولكن بعد سنة من الحكم هل باتت الأمور تتجه نحو تحويل الدولة المدنية التونسية نحو مشروعكم الإسلامي؟

في حقيقة الأمر هذا هو المشروع الذي بشرنا به منذ سنة 1981 بشأن دولة مدنية وديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة. ولا نرى له أي صلة بالثيوقراطية، فالحاكم يستمد شرعيته فقط من صناديق الاقتراع.

أما تصوير الحركة الاسلامية بأنها تمثل تهديدا للديمقراطية والدولة المدنية ومبدأ المواطنة، فهذا مشكل مفتعل.

وهل كان استبعاد موضوع تطبيق الشريعة من برنامج حزبكم، موقفا ظرفيا تكتيكيا أم مبدئيا؟

هذا الموضوع شكلي لأننا لا نرى أن تونس خرجت من الشريعة. تونس لا تزال تتحرك في إطار الشريعة، والقانون التونسي 90 في المائة منه، مستمد من الشريعة الإسلامية. والإسلام ليس كنيسة بل هو اجتهاد وتعدد للرأي بين العلماء، وفيه اجتهاد جماعي يتولاه البرلمان، فهو المشرع اليوم. وإذا كان البرلمانيون قد انتخبوا وهم متفقهين ومتأثرين بقيم، وإذا كانت قيما إسلامية فسيعكسونها في التشريعات والسياسات.

ونحن نعتبر أن الشريعة هي العدل والمساواة والرحمة والأخوة بين الناس، ولكن هنالك تطبيقات للشريعة في بلدان أخرى، تطبيقات سيئة مثل ما حدث في أفغانستان، هذا أدى إلى خوف الناس من الشريعة وظهرت في مشهد القمع ومصادرة الحريات ومنع النساء من العمل والتعليم. فأصبحت الشريعة توحي بمعاني سلبية، فقلنا لماذا ندرج في الدستور معنى غامضا، لأن الدساتير ينبغي أن تقوم على مبادئ واضحة ومشتركة بين الناس.

والدستور القديم (صدر سنة 1959) يتضمن في فصله الأول ان تونس دولة هويتها عربية إسلامية، وهذه المادة متفق عليها من طرف كل النخب التونسية فاكتفينا بها وأسسنا الدستور عليها.

ألا تخشون من سقوط حزبكم تحت ضغوط بعض التيارات السلفية المتشددة، فيعود النقاش حول الموضوع إلى نقطة الصفر، بما أن الأمر يتعلق بتأويلات لمفهوم الشريعة؟

حركتنا حركة مدنية تتأسس على الإسلام وبفهم منفتح على العالم ولا يتناقض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكل عضو في "النهضة" متفق على هذا. وحركة النهضة لا تحكمها إرادة شيخ حوله مريدون، بل هي مؤسسة والقرار فيها بالأغلبية يحتاج إلى دوائر كثيرة من النقاشات، ورئيس الحركة نفسه يجد نفسه أحيانا في الأغلبية وأحيانا في الأقلية.

وهل حدث ذلك مرات كثيرة أن وجدت نفسك في الأقلية؟

نعم مرات كثيرة، ولا أحصيها..كم من مرة وجدت نفسي في التصويت ضمن الأقلية.

مآلات الثورات العربية، يبدو أنه ليس أفضل من بدايتها، هل تخشون من أن تسقط تونس في مستنقع الثورة المضادة؟

رغم أن تاريخ الثورات لا يطمئن بأن مسار الثورة يكون تصاعديا دائما، فهو يصعد ويتراجع ثم يعود للصعود. فقد قامت الثورات، مثل الثورة الفرنسية، على الملكيات وعادت إليها بعد أن قامت جمهوريات. وكذلك بلدان شيوعية انتقلت إلى الديمقراطية وعادت إليها أحزاب شيوعية.

إذن احتمالات التراجع والانزلاق واردة، ولا نستطيع القول بأن التغيير وصل نقطة يستحيل فيها التراجع. ولكنني اعتقد أن هنالك عناصر في الثورة التونسية تؤهلها للنجاح.

ما هي هذه العناصر؟

الشعب التونسي شعب موحد ليس هنالك خطر تشقق عرقي او ديني او مذهبي. هذا شعب واحد له لغة واحدة ومذهب واحد، وليس فيه تضاريس تهيئ لانشقاق في البلاد.

وفي تونس مستوى تعليم لابأس به، وفكرة الدولة المركزية راسخة، وهنالك تلقيح ضد الديكتاتورية. فالشعب التونسي ليس من السهل أن يقبل من جديد بعودة نظام دكتاتوري أو أن يقبل بوجه من الوجوه القديمة التي عرفها وجربها.

ونحن نعيش في مرحلة وحركة تحول ديمقراطي في المنطقة والعالم، ولا يمكن لتونس المنفتحة والقريبة جدا من أوروبا والغرب، أن تعود للحزب الواحد والدكتاتورية. استبعد ذلك.

Residents demand Tunisia's President Moncef Marzouki to step down, during a protest in the central town of Sidi Bouzid December 17, 2012. Protesters hurled rocks at Marzouki and Parliament Speaker Mustapha Ben Jaafar, following a speech marking the 2nd Anniversary of protests sparked by the Dec 17 self-immolation of Mohamed Bouazizi in Sidi Bouzid, that led to the ousting of President Zine El Abidine Ben Ali 28 days later on January 14, 2011. REUTERS/Mohamed Amine ben Aziza (TUNISIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST ANNIVERSARY)
احتجاجات في سيدي بوزيد مهد الثورة بعد عامين من ثورة الياسمينصورة من: Reuters

أليست لديك مخاوف من تدهور في الثورة المصرية، وأنت من كتب مبكرا بأن تغييرا ديمقراطيا في مصر من شأنه إحداث تحول استراتيجي في العالم العربي؟

مصر هي الدولة المركزية في العالم العربي، ووضعها مؤثر جدا. وما يحدث فيها مرشح لأن يؤثر في باقي العالم العربي، ولذلك نتمنى أن تعرف مصر طريقها إلى مزيد من الاستقرار والتوافق بين نخبها المتصارعة اليوم. ونرى ان في مصر من القيادات العاقلة ما يجنبها الانشقاق.

وهنالك تشابه كبير بين مصر وتونس رغم وجود اختلافات. في البلدين هنالك تجربة للحكم المركزي، والدولة في مصر كما هو الحال في تونس، لم تسقط بخلاف ما حدث في ليبيا. في مصر يوجد شعب ملتف حول محور أساسي، حول النيل وحول حكومة مركزية. وهنالك شعب يتكون من بنية مدينية (في مدن) وليست طبيعة صحراوية أو جبلية أو بدوية.

ولذلك، تقديري أن يعرف الشعب المصري طريقه للاستقرار والحكم الديمقراطي، وسيكون له تأثير جيد في المنطقة كلها.

كيف ترى الآن مآلات نظام الأسد، في ظل المخاض الدموي في سوريا؟

نظام الأسد سينتهي ولن يبقى معه أحد.

لكن حكم الأسد متشابك مع الوضع الإقليمي وله سند في إيران وامتدادات عديدة؟

هو أشبه بالتجربة الليبية، نتيجة إصرار نظام الأسد على التمسك بالسلطة حتى آخر رمق، حتى يقطعه الشعب السوري قطعة قطعة، للأسف كنا نتمنى أن يدرك أنه لا يمكن أن يستمر في الحرب ضد شعبه إلى الأبد، ويزعم أنه شعبه وهو يقصفه يوميا بالطائرات والدبابات ويهدم عليه مساكنه. الأسد أصبح عدوا لشعبه، بل إن فرنسا عندما كانت تستعمر سوريا لم تقتل من السوريين مثلما فعل نظام الأسد، وحتى إسرائيل لم تقتل من السوريين مثلما يفعل.

وقعت تونس اتفاق الوضع المتقدم مع أوروبا هل ينتظر أن تتعزز العلاقات الثقافية والسياسية أيضا؟

تونس تربطها شراكة عالية المستوى مع أوروبا وهي تستأثر بنسبة 70 في المائة من مبادلات تونس مع الخارج. وبخلاف ما كان يعتقد بأن وصول الإسلاميين للحكم سيؤدي إلى تراجع في علاقات أوروبا بتونس، فقد حدث العكس، وانتقلت الشراكة إلى مستوى أعلى، وحصلت تونس على وضع الشريك المتميز. وهذا ما حدث أيضا مع تركيا عندما وصل حزب العدالة والتنمية.

وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه ألمانيا في هذه العلاقات؟

علاقاتنا مع كل أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي، متميزة، بما فيها فرنسا وايطاليا واسبانيا. والجديد هو النمو السريع والمتطور للعلاقات مع ألمانيا. ونحن نرى أن ألمانيا هي الأكثر حماسا لدعم التجربة الديمقراطية في تونس، وربما أن وضع اقتصادها القوي يؤهلها للقيام بهذا الدور وبأن تكون مستثمرا كبيرا ومصدرا للسياحة إلى تونس ومشجعا على عملية التحول الديمقراطي. ولاشك أن تجربة التعليم والتكوين في ألمانيا مفيدة جدا لتونس التي تواجه صعوبات في سوق العمل وعدم تلاؤم نظام تعليمها مع حاجات السوق. وألمانيا تساعد تونس في هذا الصدد ويمكنها أن توسع التعاون في هذا المجال.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد