1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ألمانيا تحتفل بعيد ميلاد "بابا الأدب" مارسيل رايش رانيسكي

لا يرتبط اسم الناقد الكبير مارسيل رايش رانيسكي ارتباطاً وثيقاً بتطور الأدب الألماني المعاصر فحسب، بل يمتد ليترك آثاره على الحياة الثقافية الألمانية. النخبة الثقافية الألمانية تحتفي بـرايش رانيسكي ورسالته الفنية.

https://p.dw.com/p/6k2E
بابا الأدب الألماني مرسيل رايش رانيسكيصورة من: AP

تحتفل النخبة الثقافية الألمانية اليوم بعيد الميلاد الـ85 للناقد الكبير مرسيل رايش رانيسكي الذي يعد من أكثر نقاد الأدب حضوراً وتأثيراً على الحياة الأدبية الألمانية. فحقل الأدب الألماني المعاصر لم يعرف في الخمسين عاماً الماضية مثل هذه الشخصية الاستحواذية المميزة التي تملك هذا الحضور الإعلامي شبه الدائم. فهذا الناقد الأدبي الذي لا يُسميه البعض "بابا الأدب" من باب الصدفة، بل لأنه يشكل في الواقع مرجعية عليا في حقل الأدب الألماني المعاصر، نجح في تغيير ملامح النقد الأدبي الألماني نظراً لما يتمتع به من قوة تعبير فريدة من نوعها، وذلك رغم أن أسلوب تعاطيه مع الأعمال الفنية يميل إلى اللذاعة الجارحة. وعلى الرغم من التباين الكبير في آراء العاملين في حقل الأدب الألماني حول هذه الشخصية الإشكالية، وما تملكه من سلطة ونفوذ في عالم الأدب والنشر، إلا أنه لا يوجد جدل حقيقي حول المكانة المميزة التي يحظى بها رانيسكي، ذلك الناقد الموهوب الذي لا يخشى كبار الأدباء وصيتهم حين يبدي رأيه في أعمالهم الفنية. ولهذا السبب يخشاه الكُتاب ويحبسون أنفاسهم إذا وقعت أعمالهم بين يديه.

شغف مبكر بالأدب رغم المعاناة

Marcel Reich-Ranicki mit Porträtsammlung
بورتريهات شخصية لمرسيل رانيسكيصورة من: AP

ولد رانيسكي في بولندا في عام 1920 وبقي فيها حتى سن التاسعة عشر. ثم توجه مع والديه عقب ضائقة مالية للعيش في برلين، حيث أنهى فيها تعليمه المدرسي عام 1938. ولأنه من أصول يهودية لم يُسمح له بالالتحاق بالجامعات الألمانية، وهذا ما دفعه إلى الاكتفاء بممارسة تدريب مهني في شركة للتصدير. وفي نفس العام تم ترحيله مع عائلته إلى بولندا ليزج بهم النازيون في معسكر وارسو النازي، حيث تعرف هناك على زوجته تيفيلا عام 1943. ونجح الاثنان فيما بعد في الهرب والاختباء لدى عائلة بولندية. وكان رانيسكي قد إنضم في عام 1946 إلى الحزب الشيوعي بعد تحرير بولندا على يد الجيش الأحمر الروسي، ثم انسحب منه لما أظهره هذا الحزب من مواقف معادية للسامية. وبعد عامين من هذه الحادثة تقلد منصب رئيس القنصلية البولندية في لندن. ثم توجه إلى بولندا ليعمل هناك في دار للنشر متخصصة في الأدب الألماني.

الوفاء لذاتية الناقد

Der deutsche Literaturpapst Marcel Reich-Ranicki
رانيسكي يقدم كتب أدبية في التلفاز الألمانيصورة من: dpa

وعلى الرغم من أن النقد الأدبي يعني فحص ودراسة النصوص الأدبية ومحاولة الكشف عن عيوبها وجوانبها الجمالية، إلا أن مارسيل رايش رانيسكي لا يعبئ بنظريات ومعايير النقد الأدبي التي تُدرس بصورة منهجية في كليات الآداب وعلوم اللسانيات، بل يطلب من الناقد الحقيقي أن يثق بحسه الجمالي الخاص وأن يكون "وفياً لذاتيته" الأدبية. وهو يقول في هذا الصدد:"يمكن للمرء التعرف على الناقد الجاد حين لا يملك هذا الناقد معايير ثابتة تحدد منهجية نقده. فجوهر عملية النقد يكمن في ثقة الناقد بذاتيته وإحساسه الجمالي الخاص". هذا الموقف الذي لا لبس فيه أدى إلى تحول رانيسكي إلى مرجعية إشكالية لها من يفضلها ويكن لها الاحترام، كما أن لها عدد كبير من الأعداء الذين يتربصون به انتظارا للإساءة إليه. لذلك إُتهم تارة بالخائن لاعتقاد البعض بوشايته بالكثيرين خلال فترة عمله لدى المخابرات البولندية، وتارة أخرى بالضحية نظراً لما تعرض له على أيدي النازيين الألمان.

صعود نجم رانيسكي

Literarische Raufrunde
رانيسكي في التلفاز الألماني مع الناقدة الأدبية راديشصورة من: AP

وبعد انتهاء عمله لدى القنصلية البولندية توجه رانيسكي إلى ألمانيا للعمل لدى صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" التي تعد من أشهر وأهم المؤسسات الإعلامية والثقافية في ألمانيا، وذلك بعد اكتشاف أحد مراسليها في بولندا لمواهبه الأدبية. ثم عمل بين عامي 1960 و 1973 لدى صحيفة "دي تسايت" الألمانية حيث كتب في هذه الفترة عن الكثير من الأدباء المعروفين مثل ألفريد أندرش، وإنغيبورغ باخمان، و مارتن فالزر، وغيرهم من كتاب عصره. وفي عام 1963 أصدر كتابه الأول الذي حمل عنوان "الأدب الألماني في الشرق والغرب". ثم درّس في عديد من الجامعات الأمريكية. وفي عام 1970 قام رانيسكي بنشر أشهر أعماله الأدبية "اللسان اللاذع"، ثم عمل بداية من عام 1973 وحتى عام 1988 مديراً للقسم الأدبي في صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ". وفيما بعد انتقل "محب ومحامي الأدب الألماني"، كما يسمي رانيسكي نفسه، بعد انتهاء فترة عمله في هذه الصحيفة العريقة في عام 1988 إلى التلفزيون ليقوم بتقديم برنامجه المشهور "المربع الأدبي" الذي حقق نجاحاً باهراً وساهم في وصوله إلى ذروته شهرته. ومن المعروف أن رايش رانيسكي يلقي قراءاته بشكل منظم وبليغ، وكأنه يقوم بنظم مسرحية أدبية خاصة به.

رفض تسييس و"أخلقة" الأدب

Goethepreis für Marcel Reich-Ranicki
رايش رانيسكي مع زوجتهصورة من: AP

تركت أعمال غوته الأدبية الفذة آثارها الواضحة على تعاطي رانيسكي مع الأدب الألماني، وخاصة عمل غوته الشهير "فاوست" الذي يعتبره رانيسكي من أهم الأعمال الأدبية العالمية الخالدة. ويصر مرسيل رايش رانيسكي على ضرورة الفصل الكامل بين الأدب والسياسية، وهو موقف مناقض كلياً لموقف الأديب الألماني الكبير الفائز بجائزة نوبل للأدب في عام 2000 غونتر جراس الذي يعتقد بأنه "لا يمكن فصل الأدب عن الواقع، وبذلك عن السياسة". كما أنه رفض مقولة صديقه هاينريش بول التي وصف فيها الأدباء بـ"ضمير الأمة" رفضاً قاطعاً مشيراً إلى الأخطار الكبيرة الناجمة عن هذا الوصف من خلال تعليقه الساخر:"الويل كل الويل لأمة تسلم ضميرها لحفنة من البشر وتتخلى هي عنه". وفي الختام ينبغي الإشارة إلى أن هذه الشخصية الإشكالية الغزيرة الإنتاج تتشابه تشابهاً كبيراً مع الأدب الألماني بعينه، لأنها تُظهر نوعاً خاصاً من التنوع المثمر، الذي لا يمكن وضعه بسهوله داخل قالب محدد.

لؤي المدهون

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد