1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أضواء على تلقي القصة الألمانية في الأردن

عماد م. غانم٧ يوليو ٢٠٠٨

على الرغم من أن انطلاق تلقي القصة الألمانية في العالم العربي يعود إلى منتصف القرن العشرين، إلا أنه تأخر في الأردن إلى تسعينياته، لكنه رفد المكتبة العربية بالكثير من إبداعات أعلام هذا الجنس الفني من خلال عدة مجاميع قصصية.

https://p.dw.com/p/EWbW
أضواء على تلقي القصة الألمانية في الأردنصورة من: BilderBox/DW

تعد الترجمة من أهم الأدوات المعرفية، التي تقربنا من الآخر وتعرفنا على أفكاره وتراثه وأدبه، وبفضلها استطاع القارئ العربي الاطلاع على أعمال أدبية عالمية، وتَشكل لديه رافد إنساني واسع. والقصة الألمانية وجدت طريقها إلى العالم العربي في النصف الثاني من القرن الماضي، وتحديدا عام 1953 حين قام المترجم السوري فؤاد أيوب بترجمة عدد من النصوص الإبداعية الألمانية عن لغة وسيطة هي الفرنسية، ونشرها في مجموعة "روائع من الأدب الألماني".

Deutsche Erzählungen: Mantel des Ketzers, in arabischer Übersetzung, Ali Odeh
مجموعة قصص مختارة من الأدب الألماني، ترجمة على عودةصورة من: DW

وعلى الرغم من أن هذه المجموعة أصبحت فاتحة لعدد كبير من كتب المختارات القصصية الأخرى عن الألمانية خلال العقود الماضية، فإنها أبعد ما تكون عن "الروائع"، فقد انطوت على انحرافات وسقطات في الترجمة قللت من القيمة الجمالية لهذه النصوص، التي لم يتم اختيارها بعناية العارف في الأدب الألماني وتاريخه. فنجد على سبيل المثال بين دفتي المجموعة إحدى الحكايات الشعبية الألمانية، التي جمعها الأخوان غريم، إلى جانب نصوص قصصية إبداعية مرموقة كقصة "الطريق إلى المقبرة" لتوماس مان (1875-1955)، إضافة إلى ثلاث قصص أخرى للكاتب النمساوي شتيفان تسفايغ (1881-1942) شكلت موجة امتدت طويلاً من الاهتام العربي بأعمال هذه الكاتب. وأصبحت كتب المختارات هذه الشكل الرئيس في تلقي القصص الألمانية المترجمة، لكنها اقتصرت على بلدان عربية معدودة هي مصر وسوريا ولبنان والعراق.

بداية متأخرة ومثمرة

Plakat Die Tauben Iljas
مجموعة حمامات إيليا

وإن كانت هذه البداية مبكرة نسبياً لتلقي القصة الألمانية في العالم العربي، فأنها تأخرت في الأردن إلى تسعينياته، حين أصدر المترجم الأردني علي عودة مجموعته المترجمة الأولى "مختارات من القصة الألمانية المعاصرة". وفي لقاء مع موقعنا يقول المترجم الأردني عودة، الذي تعلم الألمانية لمدة أربع سنوات في جمهورية ألمانيا الاتحادية، وانتقل بعد ذلك إلى بغداد ليكمل في جامعتها دراسته الأكاديمية للأدب الألماني عام 1979: "حدثت نقلة نوعية في الاهتمام بتلقي القصة الألمانية في الأردن خلال السنوات الأخيرة بعد صدور الكثير من التراجم في ظل تزايد عدد الدارسين والمتخصصين في هذا الأدب".

وأضاف أن بداية هذا التلقي في الأردن ترجع إلى العام 1999، حين صدرت مجموعته، التي ضمت بين دفتيها ثمان وعشرين قصة قصيرة لتسعة عشر كاتباً، ممن كان لهم حضور كبير في تلقي الأدب الألماني عربياً مثل هيرمان هسه وتوماس مان وهاينرش بُل، إضافة إلى كتاب لم يسبق تقديمهم إلى قراء العربية كيوزيف موللبيرغر وغونتر كونرت وروبرت فالزر. وفي عام 2002 قام المترجم الراحل قاسم طشطوش مجموعتين مترجمتين من القصص الساخرة للكاتب والمسرحي النمساوي هوغو فينر (1904-1993) بعنوان "أقرباء أعزاء" و"نوافذ مرحة". وفي العام نفسه ترجم عودة مجموعة ثانية بعنوان "حمامات إيليا"، حين اُختيرت مدينة عمان عاصمة للثقافة العربية. وضمت المختارات، التي صدرت عن دار الكندي الأردنية، من أحدى عشر قصة لمجموعة من الكتاب الألمان، منهم غونتر غراس، كاتيا بيرنز، كورت مارتي، ماتياس كيله. وتغطي قصص هذه المجموعة مساحة زمنية تمتد ما بين ستينيات القرن الماضي وبداية العقد الأول ألفيتنا الثالثة.

حامل الإكليل- تجسيد للمعاناة الإنسانية

Deutsche Erzählungen: Mantel des Ketzers, in arabischer Übersetzung, Ali Odeh
مجموعة "معطف الزنديق" واهتمام بأدب الحربصورة من: DW

ولم تتوقف حركة ترجمة القصة الألمانية في الأردن على هذه المجموعات، فقد قام أستاذ الأدب العربي الدكتور إبراهيم أبو هشهش عام 2006 بترجمة مجموعة أخرى بعنوان "حامل الإكليل"، تنهل أغلبية قصصها من تفاصيل حياة الناس البسطاء وأقدارهم وعلاقاتهم الإنسانية ومعاناتهم الشخصية المليئة بالتناقضات وحالات العزلة والقلق والحيرة. وأخذت المجموعة عنوانها من قصة للكاتب الألماني يوزيف مولهايمر، التي تتناول العلاقة الإنسانية في زمن الحرب وما بعدها، وتصور ضابطاً في الجيش النازي، يقرر العودة إلى بيته في أقصى الجنوب الألماني عقب دخول قوات الحلفاء إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وكي لا يثير انتباه جنود الحلفاء يتنكر بزي مزارع يحمل أكليلاً جنائزياً، وبعد رحلة طويلة ومليئة بالمعاناة يصل إلى بيته ليجد أنه لم يكن يحمل هذا الإكليل إلا ليضعه على قبر أبنه الصغير، الذي قتل قبل أشهر قليلة من وصوله.

"كنا جميعاً من ضحايا الحرب"

Hans Bender, Parapsychologe, Kalenderblatt
هانس بيندر: "لو جمعنا كل قصص أعضاء جماعة 47 في مجموعة واحدة، لحصلنا على عمل ذي إيقاع متشابه. فنحن مؤلفو هذه القصص نجونا من الأحداث ذاتها وتصرفنا إزاءها بسلوك متشابه. كنا جميعاً من ضحايا الحرب".صورة من: picture-alliance/dpa

وفي عام 2007 عاد علي عودة ليترجم مجموعتين جديدتين، الأولى "معطف الزنديق"، التي تضم تسعة نصوص قصصية ألمانية لكتاب ألمان من أعضاء "جماعة "47، التي تركت بصمات واضحة على أدب ما بعد الحرب في الشطر الغربي من ألمانيا. وكانت الأعمال المختارة تجسد اتجاه الجماعة، التي وجدت في الكتابة شكلاً من أشكال مقاومة الحرب والعدوان والاضطهاد. ولهذا أتت قصص "معطف الزنديق" متشابهة الإيقاع، تُذكر بقول الكاتب الألماني هانس بيندر: "لو جمعنا كل قصص أعضاء جماعة 47 في مجموعة واحدة، لحصلنا على عمل ذي إيقاع متشابه. فنحن مؤلفو هذه القصص نجونا من الأحداث ذاتها وتصرفنا إزاءها بسلوك متشابه. كنا جميعاً من ضحايا الحرب". كما ضمت المجموعة قصة "المخبأ" للكاتبة الألمانية الشرقية التقدمية آنّا زيغرز (1900-1983)، التي شكلت ترجمتها إضافة جديدة إلى تلقي هذه الأديبة الألمانية عربياً بعد أن اقتصر على قصص معدودة نُشرت هنا وهناك.

أما الثانية فكانت مجموعة "عودة الذئاب" للكاتب الألماني هانس بيندر، وتتناول قصصها تجربة الكاتب على الجبهة الروسية خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت إشكالية الحرب حاضرة في اختيار القصص، التي ترجمها علي عودة. وهذه الإشكالية لم تغب عن ذهن عودة، إذ يقول في مقدمتها: "تبدو تأثيرات الحرب واضحة في معظم القصص، وهي تسجل بحق شهادة للأدباء الألمان الذين واجهوا الهمجية العسكرية التوسعية، فتحملوا بسبب ذلك التشرد والمنافي".

قبو البصل على خشبة المسرح الأردني

وعن انجازاته في مجال الترجمة، التي تمت بمبادرة ذاتية وجهد فردي، يقول علي عودة: " كانت رغبة مني في إتاحة الفرصة أمام قراء العربية في الإطلاع على كتابات الآخر، فالترجمة جسر لتلاقي الثقافات ووسيلة لانفتاح الشعوب على بعضها". ويرى أنه من الضروري دراسة تأثير بعض الكتاب الألمان على نظرائهم من العرب. وربما يعد المثال الوحيد على التفاعل مع القصة الألمانية وتلقيها بشكل خلاق هو اقتباس المخرجة الأردنية مجد القصص لقصة "قبو البصل" للكاتب الألماني غونتر غراس وتحويلها إلى مسرحية عرضت على خشبات المسرح في عمان لأكثر من شهر. وتروي قصة غراس حكاية مطعم يقدم لزبائنه وجبة وحيدة مكونة من صحن بصل وسكين، ويقوم الزبون بتقشير البصل وتقطيعه لاستدرار الدموع فحسب. وما أن تبدأ عملية التقطيع حتى تنهمر الدموع بغزارة شديدة مشكلة نهرا من دموع البشرية، إذ تتمثل في خلق أجواء ملائمة للبكاء الجماعي. والمسرحية، التي تقوم على قصة تصور حياة الألمان إبان الحرب، تنطوي على الكثير من المضامين الثقافية والسياسية، كما أنها لقيت صدى بين الجمهور العربي، الذي لم تغب الحرب عن تاريخه الحديث.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد