1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

السير بأعين معصوبة – جولة سياحية من نوع خاص

١٠ مارس ٢٠١٢

الجولات السياحية بمختلف أشكالها ليست بالشيء الجديد. لكن جولة سياحية بعينين معصوبتين قد تكون أكثر إثارة. الجولة السياحية الأولى في ألمانيا بعيون معصوبة يتم من خلالها استكشاف مدينة كولونيا من خلال الروائح والأصوات.

https://p.dw.com/p/14Fbg
صورة من: Blindwalk Köln

يشرح الدليل السياحي أكسل رودولف (55 عاماً) بدقة وبكثير من التفصيل للمشاركين في "جولة العميان" كيفية وضع القناع على العينين. "يمكننا تسميتها نظارات النوم أيضاً، لكنني أجد كلمة قناع العينين أفضل، فوضعه لا يعني أنه يتوجب علينا النوم، بل يجعلنا نفعل شيئاً مميزاً لنا من خلال السير بعينين معصوبتين. ولهذا أفضل تعبير (القناع)، المستخدم عادة في مجال الاستجمام". ويلتفت بعدها لمساعدة المشاركين بوضع أقنعتهم على أعينهم بالشكل الصحيح، بحيث لايرون شيئاً البتة طالما اختاروا استكشاف مدينة كولونيا بعتمة تامة.

كان رودولف، وهو خبير في مجال التصميم الصوتي، يرغب دائماً في معرفة ما يشعر به المشاركون الذين يتخلون عن نظرهم بارادتهم. لذلك في البدء بإنشاء قاعات مظلمة يمكن فيها قيادة أشخاص معصوبي الأعين عن طريق لمسهم لأشياء محسوسة وضعت لهذا الغرض. وأطلق على هذا اللقاء "حوار في الظلام". بعدها بسنوات قام بافتتاح أول مطعم مظلم في ألمانيا، يقوم فيه المكفوفين وضعيفي البصر بخدمة الضيوف في ظلامس دامس.

عن تجربته هذه يقول رودولف: "أنا الآن أجمع بين هذين المشروعين لأقدمهما إلى العالم الحقيقي عن طريق جولات سياحية بأعين معصوبة". الغرض من ذلك، كما يقول رودولف، يكمن في ترك الأماكن المظلمة المحددة والمحمية، لاكتساب خبرة الظلام في الحياة الواقعية.

التواصل من خلال مشبك الأذن والميكرفون

في تمام الساعة الثالثة تبدأ الجولة الطويلة التي يتم فيها قطع مسافة تزيد عن الكيلومتر بقليل. نقطة البدء بالجولة هي متحف لودفيك بكولونيا، القريب من الكاتدرائية ومحطة القطارات الرئيسية. كل مشارك يحمل مشبكاً في أذنه، للتواصل مع الدليل السياحي وسماع الارشادات والمعلومات التي يعطيها، والانتباه لتحذيراته من وجود عقبة ما، أو سماع أوامره بتغيير الاتجاه. يمسك المشاركون بأشرطة حقيبة ظهر الشخص الذي أمامهم ويسيرون خلف بعضهم البعض.

Blindwalk
صورة من: Arne Lichtenberg

الخطوات الأولى يعتريها فقدان الثقة بعض الشيء، فالمشاركون يسيرون خلف الدليل السياحي بحذر شديد، ومركزين بعمق على كل الأصوات المحيطة بهم وبوعي أكثر من المعتاد. وهذا ما تفعله إحدى المشاركات في الجولة والتي تعتبرها تجربة من نوع خاص. وتضيف ليديا كيفين قائلة: "أركز على وضعية قدمي على الطريق، الذي قد يحوي بعض المطبات".

صوت محطة قطارات كولونيا في ميناء سان فرانسيسكو

اقتربنا ببطء من محطة القطارات، ليصبح الضجيج وأصوات مكابح القطارات أقوى، كلما اقتربنا أكثر. يقف رودولف وينظم المشاركين وكأنهم يقفون على شرفة حتى يتمكنون من تمييز الاصوات التي تصلهم من صالة محطة القطارات، ليستطيعوا من خلالها رسم صورة لمحطة قطارات كولونيا التي تختلف عن محطات المدن الأخرى. عن هذا يوضح رودولف بالقول: "استخدم الفنان بيل فونتانا قبل عشرين عاماً أصواتاً من محطة القطارات في كولونيا لتكون موضوع مشروع إسقاطات صوتية له، حيث قام بتسجيل أصوات محطة قطارات كولونيا الرئيسية لتبث من خلال الأقمار الصناعية في مدينة سان فرانسيسكو وبالعكس". وبهذا يمكن للمرء سماع أصوات ميناء سان فرانسيسكو واندفاع مياهه في مدينة كولونيا، مترافقة مع الضوضاء التي تصدر عن محطة القطارات.

رائحة الكاتدرائية الرطبة

نتحرك تاركين محطة القطارات ورائنا، لنتابع جولتنا التي بدأت تأخذ شكلها الروتيني في الظلام. المشارك في هذه الجولة يعايش عالماً مختلفاً تماماً، تطغى فيه الأصوات على الحواس، ليشعر المرء فجأة وكأنه يعايش مسرحية إذاعية حية. يعمل الدماغ وينتج صوراً: وكأنه يرى فعلاً ما يحيط به خلال سيره معصوب العينين. في ساحة الكاتدرائية، تلفح أشعة الشمس وجوه المشاركين ويصبح الضوء، كما يقول أحدهم، أكثر قوةً. "لا يمكننا تجاهل زيارة كاتدرائية كولونيا طبعاً. لذلك سوف أتوجه يساراً باتجاه المدخل الرئيسي لها. عليكم، عند دخول الكاتدرائية، الاقتراب أكثر من بعضكم البعض، بحيث تتلامس أكتافكم"، يحذر رودولف المشاركين عند المرورمن مدخل الكاتدرائية الضيق.

Blindwalk Köln Stadtführung blind
اكتشاف مدينة كولونيا سماعاًصورة من: Blindwalk Köln

عندما يدخل المشاركون في "جولة العميان" الكاتدرائية يشعرون باتساع قاعاتها وبرودة حجارة جدرانها. بالكاد تسمع أصوات زوراها. فالصمت يطبق على المكان تقريباً. يهمس أحد المشاركين "أنا اشم رائحة البخور، هل هذا ممكن؟". يقودنا رودولف عبر الشموع لنشعر بالدفء المنبثق منها، ثم يوضح بالقول: "أنا أشم رائحة رطوبة دائمة هنا".

نزهة في الظلام

في الطريق إلى الخارج نشعر بدفء أشعة الشمس مرة أخرى، دون ان نراها فعلاً. لنصل بعدها إلى المتحف الروماني الجرماني، حيث تحسس المشاركون التماثيل والتوابيت المعروضة في الخارج. وبعدها يجلس أعضاء المجموعة لأخذ قسط من الراحة. ويتناولون ما لديهم من العنب والشاي والكرواسان والبيض والطماطم. وفي العتمة يكون التذوق مختلفاً: فالانسان يتناول مختلف الأطعمة بتركيز أعمق. على الرغم من العتمة تعرّف المشاركون في جولتهم معصوبي الأعين على بعض معالم مدينتهم كولونيا، مثل "أقفال الحب" المعلقة على جدار الجسر الفاصل بين طريق المشاة ومسار القطارات، والتي يعلقها العشاق في مكان معين كرمز لحبهم وهي فكرة نابعة من إيطاليا.

Blindwalk
صورة من: Arne Lichtenberg

يتذكر رودولف زوجين أمريكيين شاركا في إحدى جولاته وعاشا تجربة السير في الظلام بعمق. وتوصلا، كما يقول، الى نتيجة مفادها أن مدينة كولونيا مدينة مرحة تختلف عن باقي المدن.

العودة ببطء إلى الحياة الطبيعية

على ضفاف نهر الراين وصلنا الى نهاية جولتنا، لننزع العصابات عن أعيننا ببطء ونخطف بصرنا بحذر باتجاه الشمس. ينظر المشاركون إلى ما حولهم ببعض الضياع وعدم التركيز، فمن غير الطبيعي استقبال الشمس من جديد بعد فترة طويلة من العتمة. الشمس تشرق على الوجوه مباشرة. يتأمل المرء في نهاية الجولة متسائلاً: ما الذي أُغفل عن الإحساس به في حياتي اليومية؟ ما هي الأشياء التي شعرت بها في هذه الجولة وكنت أغفلها عادة؟

بحذر وببطء وكما في بداية جولتنا التي بدأناها بأعين معصوبة، نبدأ السير بعد نزع العصابات، إلى أن نعود بشكل كامل الى الواقع المرئي، وهذا ما سيتطلب ساعتين من الزمن تقريباً.

آرنه ليشتنبيرغ/ ميساء سلامة – فولف

مراجعة: عماد غانم