1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

في السعودية: فقراء على أنهار من النفط

٢٢ فبراير ٢٠١٢

رغم الصورة المأخوذة عن الرفاهية التي يعيش فيها سكان السعودية إلا العقدين الأخيرين شهدا تضخماً كبيراً في أسعار السلع والخدمات، حيث ارتفعت الأسعار إلى ما يقارب 400 بالمائة، بينما لم يرتفع دخل المواطن إلا بمقدار 66 بالمائة.

https://p.dw.com/p/147ko
صورة من: picture-alliance/dpa

يقول الشاب أحمد داوود، الذي يعمل كحارس أمن في إحدى الشركات، إنه كان يتقاضى 533 دولاراً فقط شهريا. لكن بعد أن أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز أمراً بوضع حد أدنى للأجور، ارتفع دخله الشهري إلى 800 دولار. أحمد متزوج ولا يستطيع سد تكاليف عائلته أو دفع إيجار المنزل بهذا الراتب الزهيد، لذلك وجد نفسه مضطراً إلى عمل آخر بعد انتهاء وقت عمله الأصلي. حاولنا سؤاله عن طبيعة عمله الآخر ولكنه رفض بشدة الحديث لأنه -كما يقول- لا يثق بالغرباء.

سعيد ضحية أخرى للفقر الموجود في السعودية والذي تضيع تفاصيله المؤلمة بين الأبعاد البراقة للصورة المأخوذة عن حياة البذخ في المملكة. سعيد أمتهن بيع الخمور المصنعة محلياً سراً، بسبب حاجته إلى ما يسد حاجته وحاجة عائلته. وحين سألناه عن فرصته في العمل مع الشركات البترولية أو الصناعية التي تبعد عشرات الأميال عنه، أجاب مازحا أنه يكتفي باستنشاق السموم المنبعثة منها. ووفقاً لآخر الإحصاءات الرسمية المنشورة يُقدّر متوسط دخل الفرد في السعودية بما يزيد عن 20 ألف دولار سنوياً في نهاية 2011، فيما بلغ متوسط أجر المواطن السعودي في القطاع الخاص نهاية 2010 نحو (927.1 دولار أمريكي).

عن ارتفاع الأسعار في السعودية يقول عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبد الحميد العمري في حوار مع DW: "بالنظر إلى تآكل جزء كبير من القوة الشرائية للريال فإن انخفاضه خلال العقدين الماضيين يُقدر بأكثر من 42 بالمائة. ورغم كل الزيادات المتكررة في دعم ذلك الدخل، إلا أن الارتفاعات في أسعار السلع والخدمات -وأغلبها مستوردة- كانت أكبر بكثير من ذلك الدعم. ومن الطبيعي أن يزيد هذا من أعباء تكاليف المعيشة على الأسر. كما أن هذا يظهر الخلل، الذي تعاني منه السياسات الاقتصادية، وفي مقدمتها السياسة النقدية المرتبطة تماماً بسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي".

Saudi-Arabien und Öl
عبد الحميد العمري: ولعل من أبرز أوجه القصور في السياسات الاقتصادية هو عدم نجاحها في تحقيق هدفها الاستراتيجي بتنويع القاعدة الإنتاجية المحليةصورة من: AP

وجوه أخرى

القصور الذي تعاني السياسات الاقتصادية في السعودية أنعكس أيضاً خلال السنوات الأخيرة على أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات. في هذا الإطار يضيف العمري قائلاً: "أزمة السكن قد تكون هي المفردة الأنسب لتشخيص هذه المعضلة الاقتصادية لدينا، ولإظهار مدى وقعها على الفقراء. هذه الأزمة امتدتْ بآثارها السلبية شاملة حتى من هم خارج دائرة الفقر، أي إلى المحسوبين على أصحاب الدخول المتوسطة، الذين باتوا عاجزين تماماً عن توفير وتملك المسكن في أبسط مستوياته بمستوى دخلهم الحالي".

وعلى خلفية أزمة السكن هذه باتت حتى الصحف المحلية تعج مؤخراً بمطالبات عدد من الكتاب بفرض ضرائب على الأراضي المحتكرة وغير المستغلة من قبل عديد من تجار العقار الذي يحتكرون مساحات كبيرة داخل النطاق العمراني، طمعا في بيعها لاحقا بأسعار مرتفعة. الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار الأراضي السكنية. ورغم أن مجلس الشورى السعودي ناقش مراراً مسألة فرض ضرائب على هؤلاء التجار، إلا أنه لم يفلح في التوصل إلى سن قانون بهذا الشأن.

من المسؤول؟

ويشير العمري إلى أن جزءا من المشكلة تتحمله العائلات، وجزء أكبر يتحمله الخلل في السياسات الاقتصادية القائمة، إذ تتأخر كثيراً في وضع البرامج التنموية وتنفيذها، ما يضعف في النهاية من فاعليتها في الموائمة مع التغيرات الفعلية على أرض الواقع. ويضيف عضو جمعية الاقتصاد السعودية بالقول: "إن تأخّر معالجة ذلك الاختلال زادت الفجوة بينهما، ما زاد من تفاقم حالة الفقر في المجتمع. ولعل من أبرز أوجه القصور في تلك السياسات أنها لم تنجح في تحقيق هدفها الاستراتيجي بتنويع القاعدة الإنتاجية المحلية. وحتى الآن لا تتجاوز مساهمة الصناعات التحويلية في الاقتصاد نسبة 13 بالمائة من حجم الاقتصاد".

من جانبه يقول المدون طراد الأسمري الذي فازت مدونته المهتمة بشؤون الفقر بجائزة البوبز العالمية التي تنظمها DW: "قيام بعض المنظمات الخيرية الإسلامية السعودية بتحويل تبرعات سعودية إلى الخارج كانت سبباً مباشراً في رفاه كثير من المجتمعات حول العالم، لكن هذا يثير في الوقت ذاته تساؤلات حول المردود التنموي من عمل هذه الجمعيات محلياً". وينتقد المدون السعودي بشدة ارتفاع معدل تحويل الأموال الخيرية بشكل كبير إلى خارج السعودية، مؤكداًً أن الفقراء داخل البلاد بحاجة ماسة إليها.

جازان .. المدينة الأكثر فقراً

Verschleierte Frau in Saudi-Arabien
صورة من: picture-alliance/dpa

ووفقاً للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، التي لم تُعلن بشكل رسمي بعد وسُربت نسخ منها للصحافة المحلية، فإن أكثر المناطق فقراً في المملكة هي منطقة جازان في جنوب البلاد، إذ بلغ عدد الأسر التي تعيش فقراً مدقعاً نحو 9700 أسرة. أما منطقة القصيم فتعتبر الأقل فقراً بين جميع مناطق السعودية، إذ لا يتجاوز عدد الأسر الفقيرة فيها 506 أسرة. وفي هذا الإطار يشير المدون طراد الأسمري إلى الإحصائية المرفقة بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر بالقول: "إن نسبة الأسر الواقعة تحت خط الفقر المطلق في منطقة جازان تبلغ 39 في المائة من إجمالي الأسر القاطنة فيها، كأعلى المناطق، وتأتي نجران (جنوب المملكة) ثانياً بـ 24.53 في المائة، فالمدينة المنورة (غرب المملكة) بـ 24.07 في المائة، تليها الحدود الشمالية (شمال المملكة) بـ 23.59 في المائة.

أسرة تعيش في مقبرة

ورغم كثرة التقارير الصحفية التي تنشرها الصحافة السعودية حول الفقراء في السعودية، إلا أن أحد الأفلام القصيرة للمخرج بدر الحمود بعنوان "مقبرة" يحكي قصة أسرة مكونة من 11 فرداً، تعيش في أحد مقابر عاصمة الرياض، مصوراً حالتها المزرية. وحصل الفيلم على نسبة مشاهدة عالية. ويُذكر أنه بعد ساعات من عرض الفيلم قدمت إحدى الجمعيات الخيرية منزلا في الرياض للأسرة. من جانبها سارعت وزارة الشؤون الاجتماعية في تصريح صحفي لها إلى التأكيد على أن الأسرة تتقاضى 1600 دولار شهرياً من الدولة، إلا أن مخرج العمل بدر الحمود وفي صفحته بتويتر نفى ما تحدثت عنه الوزارة.

تركي العبد الحي ـ الرياض

مراجعة: عماد غانم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات