1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

يوميات سورية - الكفاءات السورية... آفاق منعدمة والمهنة "بدون"

ملاك كمال٧ أكتوبر ٢٠١٢

لطالما كانت عبارة "المهنة: بدون" تؤرق حاملي جوازات السفر السورية بعد فشلهم في إضافة مهنتهم على هذه الوثيقة. لكن مع زيادة حدة الأزمة وتسريح العاملين اكتسبت الـ"بدون" معنى اجتماعيا بعد أن بات صاحبها "بدون مصدر العيش".

https://p.dw.com/p/16LFs
صورة من: Getty Images

"المهنة: بدون"، عبارة لطالما طُبعت على جواز سفري وكانت مصدراً للضحك والتندر بيني وبين أصدقائي. فعلى الرغم من الشهادات الأكاديمية العليا التي أحملها والخبرات العملية التي اكتسبتها طيلة عملي في مجال الصحافة طوال عشرة سنوات متواصلة، إلا أنني لم أنجح يوماً في كتابة مهنتي على جواز سفري نظراً لما يتطلبه ذلك من موافقات وإجراءات رسمية معقدة وطويلة، ناهيك عما يتطلبه ذلك لاحقاً من ضرورة الحصول على أذونات سفر وموافقات أمنية لطالما كنت في غنى عنها.

"المهنة:بدون" حال الكثير من أصدقائي ومعارفي الذين فقدوا أعمالهم ووظائفهم منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة في بلدي سورية، البعض بسبب الاعتقال فالكثير من أرباب العمل كانوا في غنى عن "وجع الرأس" بسبب موظف شارك بمظاهرة ما أو موظفة شاهدت خلال ساعات عملها الرسمية مقطعاً ثورياً على اليوتيوب، والبعض الأخر بسبب تعثر أعمالهم وانخفاض أرباحهم والتي استوجبت معها تخفيض أعداد الموظفين للحدود الدنيا.

"بعد اثنتي عشر عاماً من العمل في واحدة من أكبر الوكالات الإعلانية في سوريا، منها خمسة أعوام كرئيس قسم تصميم تم إعلامي في خمس دقائق عن الاستغناء عن خدماتي المتوقفة أصلا منذ نحو الخمسة أشهر بسبب اختفاء الزبائن القصري". بهذه اللهجة التهكمية يحكي ناصر (36 عاماً) عن فقدانه لعمله ومصدر رزقه. ناصر الذي طالما رفض عروضاً للعمل في وكالات عالمية في دول الخليج رافعاً شعار " مين خرج من داره.. قل مقداره" يسعى جاهداً اليوم لإيجاد فرصة عمل في الخارج فآفاق العمل هنا "صارت مسدودة وأبواب الرزق معدومة!!!" على حد قوله.

الدمار الذي لحق بالمدن السورية نتيجة الأزمة التي تشهدها أدت إلى ارتفاع عدد النازحين والذين فقدوا بيوتهم وأماكن عملهم
الدمار الذي لحق بالمدن السورية نتيجة الأزمة التي تشهدها أدت إلى ارتفاع عدد النازحين والذين فقدوا بيوتهم وأماكن عملهمصورة من: dapd

فجأة عاطل عن العمل

"موظف بداوم كامل في مقهى الروضة" يُعرف بلال (26 عاماً) عن مهنته الجديدة التي يزاولها منذ مطلع العام الحالي، فالشركة الهندسية الألمانية التي عمل بها طوال ثلاثة سنوات متواصلة قررت إغلاق أبوابها وصرف موظفيها ومن بينهم بلال الذي لم يجد باباً مفتوحا أمامه غير باب مقهى الروضة الشهير في وسط العاصمة دمشق ليقضي فيه ما يقارب الست ساعات يومياً بين لعب الطاولة وتناول المشروبات والحديث مع أصدقائه عن أوضاع البلد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. "عدت مجدداً لأخذ مصروفي من أبي" يقول بلال بضيق واضح، "ليس لدي حل أخر فالسفر حلم صعب المنال والسفارات توصد أبوابها أمامنا " يشرح بلال باستسلام وهو يرمي النرد آملاً بحظ أفضل في طاولة الزهر على الأقل.

"ثلاثة أشهر فقط كانت الفاصل بين تاريخ تركي لعملي كرئيسة قسم الحجوزات في أحد فنادق دمشق وتاريخ إغلاق زوجي لشركته" تقول ميرفت (39 عاماً)، فكرة السفر لم تكن بعد خياراً مطروحاً أمام ميرفت وزوجها خاصة في ظل وجود أبناء في المدارس وعلى أعتاب الجامعات. تقول "اشترينا بمدخرات العمر محل صغير في قدسيا في شارع مجاور لمنزلنا وافتتحناه قبل أسبوع من بدء شهر رمضان كسوبرماركت بعدما تقاسمت وزوجي ساعات العمل فيه. إلا أن اندلاع الاشتباكات في قدسيا لم تدفعنا فقط لإغلاق المحل وإنما للنزوح أيضاً من منزلنا إلى منزل عائلتي في المزة". تسعى ميرفت اليوم إلى بيع منزلها ودكانها الصغير بهدف الانتقال إلى مصر وإيجاد مصدراً للرزق "لم يعد لدينا خيارات أخرى" تقول بأسى.

أحد أزقة الدينة القديمة في حلب قبل اندلاع الأزمة السورية
أحد أزقة الدينة القديمة في حلب قبل اندلاع الأزمة السوريةصورة من: AP

وضع اقتصادي مزري

في نهاية عام 2011، أفادت تقارير لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية بأن نسبة البطالة في البلاد ارتفعت إلى 30 في المائة نتيجة الأحداث التي تشهدها البلاد. كما أشار التقرير إلى أن نحو 300 ألف شخص في سورية يدخلون سوق العمل سنوياً، في حين أظهرت أرقام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية السورية إلى أن هناك ما يقرب من 70 ألف عامل تم تسريحهم وأصبحوا في عداد العاطلين عن العمل.

ناصر.. بلال..ميرفت.. شباب سوريون التقيت بهم في إطار عملي على إنجاز تحقيق صحفي حول "بطالة الشباب في ظل الأزمة السورية" ولم يكن يدور في خلدي مطلقاً أنني سأنضم إلى صفوفهم وصفوف آلاف الشباب السوري العاطل عن العمل حالما انتهي من تسليم التحقيق المطلوب. إذ فقدت أنا أيضاً أخر منبر إعلامي كنت أمارس السلطة الرابعة من خلاله بعدما قرر رئيس التحرير إغلاق المطبوعة التي أعمل بها لأنها ببساطة " ما عادت جابت همها" على حد تعبيره.

الكفاءات السورية في عداد الـ البدون"

"المهنة :بدون" لم تعد مجرد عبارة مطبوعة على جواز سفري أتندر عليها مع أصدقائي. "المهنة:بدون" واقع حال الكثير من الكفاءات العلمية والعملية لشباب سوري اختار العمل بملئ إرادته في وطنه قبل سنوات قليلة، وأُجبر عن التخلي عنه حالياً. "المهنة:بدون" هو واقع حالي أنا وآلاف الشباب السوري الذي فقد عمله ومصدر رزقه وهو يعرف حق المعرفة أن إيجاد البديل ليس بالأمر الوارد أو المحتمل في الأفق القريب إلا في حال حدوث معجزة إلاهية.

"المهنة: بدون" دافع لآلاف السوريين اليوم للتدافع على أبواب السفارات في الدول المجاورة سعياً نحو طوق نجاة ومصدر رزق. "المهنة:بدون" شبح يقض مضاجع من مازال على رأس عمله في الداخل، وكابوس يدفع من في الخارج إلى قبول شروط عمل مجحفة ما كان ليقبلها قبل 18 شهراً. "المهنة: بدون" واقع يتقاسمه السوريون اليوم كما يتشاركون طوابير الغاز والخبز ويتقاسمون القصف والرصاص ويفترشون معاً حدائق البلاد ومدارسها.

"المهنة: بدون" واقع جديد أتقبله على مضض، تماماً كما تقبلت على مدار عام ونصف واقع سفر معظم أصدقائي إلى دول مجاورة أو بعيدة بحثاً عن مستقبل هارب من بين أيدينا..نلاحقه رملاً وهرولة وركضاً وكلنا أمل أنه سيكون لنا في القريب العاجل.