1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

موسكو تغازل أثينا وأوروبا تدعو لوحدة الصف

عباس الخشالي٣٠ يناير ٢٠١٥

خلط وصول قادة قريبين لموسكو في تحالف الحكومة الجديدة في اليونان أوراق الساسة الأوربيين الذين يتخوفون من انكسار وحدة القرار الأوروبي تجاه روسيا. الكرملين سعيد بالتغيير في أثينا وبروكسل تحذر من "التصدع" الأوروبي.

https://p.dw.com/p/1ETcR
Syriza Unterstützer Feier 25.01.2015 Athen Transparent Troika
صورة من: picture alliance/ZUMAPRESS.com

ما إن فاز حزب سيريزا اليساري بالانتخابات البرلمانية اليونانية التي جرت الأحد الماضي، حتى دب القلق في العواصم الأوروبية، وفي عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل. قلق لا يعود لاختلاف أيديولوجي، ففي أوروبا التي تحكمها الديمقراطيات بأشكالها المختلفة عفا الزمن على مثل هذه الصراعات الأيدلوجية. بيد أن منبع القلق الأوروبي يعود إلى وجهات نظر الحزب اليساري التي تختلف مع بروكسل في ملفات عدة. منها سياسة التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي على أثينا بعد الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد اليوناني. لكن أكثر ما يثير قلق الاتحاد الأوروبي هو سياسة أثينا نحو موسكو بقيادة الحكومة الجديدة، التي نأت بنفسها عن تهديدات الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جديدة ضد روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية.

بعض الساسة الأوروبيين لزموا الصمت في انتظار ما تفعله أثينا الغاضبة من سياسة أوروبا تجاهها والباحثة عن حليف قريب يدعمها في أزمتها الاقتصادية. والبعض الآخر من الساسة أعلن عن مخاوفه من حدوث تصدع أوروبي، ومنهم غيرونت إرلر مفوض الحكومة الألمانية للشؤون الروسية الذي أعرب عن قلقه إزاء احتمالية خروج اليونان عن السياسة المشتركة للاتحاد الأوروبي. وقال إرلر في تصريحات للقناة الأولى في التلفزيون الألماني (إيه آر دي) هذا الأسبوع إن وحدة الصف هي نقطة القوة الوحيدة للاتحاد الأوروبي حتى الآن، مضيفاً: "كانت هناك أيضاً محاولات مستمرة من موسكو لإحداث وقيعة في هذه الوحدة. سيكون من المؤسف بشدة الآن إذا انتهت هذه الوحدة بانتخاب (رئيس الوزراء اليوناني) تسيبراس".

Martin Schulz und Alexis Tsipras
رئيس البرلمان الأوروبي، الألماني مارتن شولتز سارع إلى أثينا للقاء رئيس الوزراء الجديد تسيبراسصورة من: Reuters/M. Djurica

وزير خارجية اليونان الجديد نيكوس كوتسياس قال إن بلاده تريد منع حدوث "تصدع" في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي. كوتسياس الذي أشار بكلمات واضحة خلال حفل تسلم منصبه كوزير للخارجية اليوناني من سلفه يفانغيلوس فينزيلوس، إلى أن من يعتقد أن اليونان فقدت سيادتها وأن لا دور لها في سياسة أوروبا بسبب ثقل ديونها، فهو مخطئ. ونقلت صحيفة كاثيمريني الصادرة في أثينا أن نقاشاً حاداً جرى بين وزير الخارجية السابق ونظيره الحالي، بسبب تصريحات الأخير.

الدور الروسي

منبع القلق الأوروبي من تصدع الوحدة الأوروبية وإعاقة العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو له جذوره. فقد نقلت الصحيفة نفسها أن موسكو كانت على علم مسبق بنية رئيس الوزراء الجديد تسيبراس باستخدام الفيتو ضد قرارات أوروبية لفرض عقوبات جديدة على روسيا، بسبب وعد روسي برفع العقوبات الروسية على استيراد البضائع اليونانية. وأثينا بأمس حاجة لتحسين وضعها الاقتصادي! بل ذهب الأمر إلى حد تصريح وزير المالية الروسي انطون سيلوانوف أن موسكو على استعداد لمنح أثينا مساعدات مالية على أساس العلاقات الثنائية بين البلدين.

كما نقلت صحيفة "فرانكفورت الغماينه تسايتونغ" الألمانية أن الحكومة الجديدة في أثينا نسقت مسبقاً بعض القضايا مع موسكو قبل الاتحاد الأوروبي. إذ نقلت الصحيفة أن السفير الروسي في أثينا قام بزيارة خاطفة يوم الاثنين الماضي إلى مقر حزب سيريزا حتى قبل أن يتم الاتفاق على تشكيل الحكومة. بل أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان أول مهنئ لرئيس الوزراء المنتخب تسيبراس في اتصال هاتفي، تمنى له خلاله تحقيق النجاح في "ظروف صعبة". ويبدو أن فوز حزب سيريزا لم يُفرح أحداً مثلما فرح به قادة الكرملين، حسب الصحيفة.

عمق ديني وتأريخي

وفي أشارة الصحيفة إلى العلاقة بين الحكومة الجديدة في اليونان وبعض أصحاب القرار في موسكو نوهت الصحيفة إلى العلاقة بين وزير الخارجية الجديد نيكوس كوتسياس مع الفيلسوف السياسي الروسي ذي الأفكار اليمينية المتطرفة الكسندر دوغين. وقالت الصحيفة، نقلاً عن رجل العلاقات العامة اليوناني تاكيس ميخاس قوله إن كوتسياس "على درجة كبيرة من الكفاءة والتعليم"، لكن من المعروف عنه "إعجابه الشديد بالرئيس الروسي والفيلسوف اليميني دوغين".

Heiliger Kyrill und Method Ikone
موسكو تعود في جذورها الارثذوكسية إلى الارثذوكسية اليونانية وإلى كتابات الرسولين كيريل وميثود من منطقة تيسالونيكي اليونانيةصورة من: picture-alliance/dpa
كما أن طبيعة العلاقة بين اليونان وروسيا لها جذور تاريخية، فالدولتان تتبنيان المسيحية الأرثوذكسيَّة، بل أن موسكو تعود في جذورها الأرثوذكسيَّة إلى الأرثوذكسيَّة اليونانية وإلى كتابات الرسولين كيريل وميثود من منطقة تيسالونيكي اليونانية، حسبما يقول أستاذ تاريخ شرق أوروبا في جامعة لودفيغ ماكسميليان بميونيخ، البروفسور مارتن فيزيل لمجلة "دير شبيغل" الألمانية.

ويذكر فيزيل أيضاً بتأكيدات وزير الخارجية الروسي لافروف خلال إحدى زياراته إلى أثينا إلى الجذور الدينية الأرثوذكسيَّة المشتركة بين روسيا واليونان. كما يشير الخبير الألماني إلى أن اليونان تدين باستقلالها من الدولة العثمانية عام 1821 إلى مساعدة روسيا القيصرية، وإلى قبول اليونان سيطرة روسيا لشبه جزيرة القرم على يد القيصرة الروسية كاثارينا الثانية على حساب العثمانيين. وبحسب البروفسور فيزيل، فإن أوروبا غالبا ما تهمل القرب التاريخي بين اليونان وروسيا.

لكن هل يكفي القرب العقائدي مع روسيا والشعور بالغبن وفقدان السلطة بسبب سياسة التقشف التي فرضتها أوروبا على اليونان، إلى تصور أن أثينا ستلعب دور حصان طروادة داخل القلعة الأوروبية؟

أشارات ورسائل

رئيس البرلمان الأوروبي، الألماني مارتن شولتز، الذي يمثل وجهاً ألمانياً محبوباً لدى الأوربيين سارع إلى أثينا للقاء رئيس الوزراء الجديد تسيبراس وقال إن "أوروبا قد تغيرت" بعد وصول حزب سيريزا للسلطة. شولتز الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، كان قد أعرب عن فهمه للإضرار التي لحقت بشرائح كبيرة من المجتمع اليوناني بسبب سياسة التقشف الأوروبية - بعكس المستشارة ميركل، وذلك حينما كان تسيبراس مازال جالساً على مقاعد المعارضة في البرلمان اليوناني، الأمر الذي رشحه كأفضل شخص يمكنه التوجه لأثينا للقاء القادة الجدد هناك.

ورغم تأكيد تسيبراس عدم رغبة اليونان باقتطاع جزء من ديونها، لكن صحيفة "بيلد" الألمانية نقلت عن مصادر داخلية يونانية طلبه فعلاً اقتطاع جزء من الديون الأوروبية على اليونان والتي تبلغ حوالي 320 مليار يورو. ونقلت الصحيفة أن شولتز وعد تسيبراس بسياسة أوروبية حكيمة تجاه اليونان.

غير أن رئيس حزبه ونائب المستشارة، زيغمار غابريل حذر الحكومة اليونانية الجديدة من انتهاج سياسة موالية لروسيا بعيداً عن الإجماع الأوروبي، ومن التخلي عن النهج الأوروبي تجاه روسيا حتى الآن، والذي يعتمد على الحوار والتلويح بالعقوبات في الوقت نفسه. وقال غابريل: "إن الانقسام بيننا هو أكثر الأمور التي نرتكبها حماقة".

وفي مقابلة مع القناة الثانية للتلفزيون الألماني "زد دي اف" حاول غابريل إرسال أشارة إلى الحكومة اليونانية وروسيا أيضا بقوله: "من السابق لأوانه في الوقت الحالي حسبما أعتقد، الدعوة مرة أخرى لفرض عقوبات على روسيا". وأضاف غابريل، الذي يتولى أيضاً حقيبة الاقتصاد: "لا يجوز حتى في أحلك الأوقات التخلي عن روسيا الأوروبية والقول ببساطة إن أمامنا الآن 30 عاماً من الحرب الباردة".

رسائل الساسة الأوربيين الحذرة إلى أثينا جاءت متباينة، بين البرود من جانب ساسة الأحزاب المحافظة، وبين الأكثر دفئاً من جانب بعض الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية التي تحاول تقريب وجهات النظر واحتواء الموقف اليوناني الجديد الغاضب.

روسيا تحاول استغلال علاقاتها الطيبة مع اليونان لكسر طوق العقوبات الاقتصادية عليها، وأوروبا تنظر لجبل الديون الذي تراكم من أموال دافعي الضرائب الأوربيين، وخصوصاً الألمان منهم، في أثينا. والحكومة الجديدة هناك ترسل رسائل واضحة نحو جميع الجهات، والإجابات تأتي متسارعة بوعود سخية. البيت الأبيض يعلن من جانبه أنه "يراقب عن كثب الحكومة اليونانية اليسارية الراديكالية في اليونان التي وعدت بإعادة التفاوض مع الدول الدائنة وانتقدت المحادثات حول فرض عقوبات جديدة على روسيا". والمنطق يقول: إن أثينا ستكون بكل الأحوال هي الرابحة.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد