1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كيف أثرت كورونا على العمال المهاجرين وتحويلاتهم المالية؟

٩ يونيو ٢٠٢٢

أدت جائحة كورونا إلى وتوقف هجرة الأيدي العاملة وتراجع كبير في التحويلات المالية للعمال المهاجرين، الذين كان عليهم تحمل أعباء إضافية. لكن كانت هناك مفاجأة في بنغلاديش التي حققت رقما قياسيا في التحويلات وتدفق الأموال!

https://p.dw.com/p/4CNOZ
عاملان ينتظران أمام مكتب شركة الطيران السعودية في عاصمة بنغلاديش دكا (30/9/2020)
رغم الجائحة وعودة الكثير من العمال المهاجرين إلى أوطانهم حطمت بنغلاديش رقما قياسيا لتحويلات المهاجرين خلال الجائحة (أرشيف)صورة من: Sazzad Hossain/SOPA/Zumapress/picture alliance

أبو البصار يعيش في  السعودية منذ 14 عاما، فبعد عدم تمكنه من إيجاب وظيفة مناسبة في وطنه بنغلاديش، جرب حظه كعامل مهاجر في السعودية لإعالة أسرته. في البداية عمل في الرياض ثم انتقل إلى جدة، ومنذ مدة قصيرة انتقل إلى منطقة القصيم حيث يعمل سباكا في محطة لمعالجة المياه.

أبو البصار هو واحد من حوالي 260 مليون مهاجر حول العالم، يساهم عملهم في إعادة توزيع رأس المال في المناطق ذات الدخل المنخفض في العالم. إنه يرسل 90 بالمائة مما يكسبه في الشهر (2000 ريال سعودي ما يساوي 533 دولارا) إلى بنغلاديش لإعالة أسرته المكونة من أربعة أفراد.

أكثر من نصف العمال المهاجرين حول العالم ينحدرون من جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا، ويشكلون حوالي 20 بالمائة من القوى العاملة في غرب وشمال وجنوب أوروبا والولايات المتحدة. وفي دول الخليج يشكلون حوالي 41 بالمائة من القوى العاملة. وتعتبر أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج، أهم وجهة للعمال المهاجرين ومصدر معظم التحويلات المالية.

التحويلات المالية مصدر للاستقرار الاقتصادي!

من خلال تحويلاتهم المالية، لا يعيل العمال المهاجرون عائلاتهم فقط، وإنما يساهمون في استقرار اقتصاد بلدانهم أيضا. ففي زيمبابوي وجورجيا ونيكاراغوا والسنغال، تمثل التحويلات المالية أكثر من 10 بالمائة من الاقتصاد الوطني. وتبلغ النسبة في السلفادور وغامبيا وجامايكا ونيبال أكثر من 20 بالمائة وفي قيرغيزستان وطاجكستان حوالي 30 بالمائة. كما تستفيد منطقة شمال افريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وجنوب وجنوب شرق آسيا وأمريكا الوسطى أيضا من التحويلات.

أبو البصار عامل مهاجر من بنغلاديش يعمل في السعودية منذ 14 عاما يقف في مكان عمله في محطة لمعالجة المياه
اضطر أبو البصار أن يرسل مبلغا أكبر لعائلته في بنغلاديش لتغطية النفقات الإضافية بسبب الجائحةصورة من: privat

لكن مع بداية جائحة  كورونا ، هددت عمليات الإغلاق وفقدان الوظائف بوقف التدفق المستمر لهذه التحويلات المالية. وفي أبريل/ نيسان 2020، قدر خبراء البنك الدولي أن المهاجرين سيرسلون 129 مليار دولار أقل إلى أوطانهم في العام الأول للجائحة، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 20 بالمائة.

لكن في الواقع تعافت المدفوعات بسرعة بعد انخفاض حاد لمدة وجيزة، وانخفضت قيمة عملات دول الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا بشكل كبير في بداية الجائحة. في حين ارتفع مبلغ التحويلات من اقتصادات الدولار واليورو، وقد يكون ذلك بسبب اعتماد كثير من العمال المهاجرين على مدخراتهم من أجل إعالة أسرهم في الوطن، رغم فقدانهم وظائفهم. وفي هذا السياق يقول أبو البصار "عادة أرسل حوالي 500 ألف دينار ينغلاديشي ما يساوي 5775 دولار لعائلتي كل عام".

لكن الأمر اختلف خلال الجائحة، فخلال العامين الماضيين، حاول أبو البصار إرسال مبلغ أكبر لأسرته، ويقول "في عام 2021 أصيب والدي بعدوى كوفيد 19 وكلف علاجه أكثر من 100 ألف دينار بنغلاديشي. فلجأت إلى مدخراتي وأرسلت أكثر من 600 ألف دينار لعائلتي من أجل تغطية نفقاتها الإضافية".

التسريح من العمل والعودة إلى الوطن!

وقد تسببت الجائحة في عبء مالي أكبر وإلى انخفاض كبير في عدد العمال المهاجرين. فالعمال الموسميون والمهاجرون على وجه الخصوص، الذين يتمتعون بحماية قانونية أقل، سرعان ما فقدوا وظائفهم. كما ارتفع معدل البطالة بين السكان المحليين في العديد من البلدان، لكن العمال المهاجرين تضرروا أكثر بالبطالة. في بعض البلدان التي فيها الكثير من العمال الموسميين، مثل هنغاريا وإسبانيا وإيطاليا، كان العامل المهاجر أكثر عرضة للبطالة بنسبة 50 بالمائة مقارنة بالعامل المحلي.

أزمة كورونا ضربت الاقتصاد في جميع أنحاء العالم

وحسب منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن سبب تعرض العمال المهاجرين للبطالة أكثر من العمال المحليين هو أنهم غالبا ما يعملون في قطاعات محفوفة بالمخاطر منخفضة الأجور، وهذه تشمل القطاعات التي تضررت بشدة بالجائحة مثل المطاعم والسياحة والخدمات وتجارة التجزئة والبناء. وربما تكون أرقام البطالة الحقيقية أعلى عندما يضاف إليها عدد المهاجرين الذين غادروا البلاد بسبب فقدان وظائفهم، حيث لا يتم احتسابهم في الإحصائيات.

فالهند وحدها أحصت 6,1 مليون عامل اضطروا للعودة إلى وطنهم مع تفشى وباء كورونا. كما شهدت تايلاند ونيبال وماليزيا وسريلانكا مغادرة مئات الآلاف من البلاد، وفي معظم الحالات بسبب تسريح العمال. وتقول منظمة العمل الدولية إن الوضع في أمريكا الجنوبية وأفريقيا كان مماثلا؛ وفي دول الخليج كان العمال المهاجرون أكثر تأثرا بالجائحة.

ومن غير المعروف ما إذا كان هؤلاء العمال سيعودون قريبا إلى البلدان التي كانوا يعملون فيها. وفي بداية الجائحة أغلقت جميع دول العالم تقريبا حدودها، وقد اختلفت سياسات الهجرة منذ ذلك الحين: فقد رفعت العديد من البلدان في جنوب الصحراء الكبرى بسرعة القيود، في حين شددت دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا قيود السفر بعد زيادة أعداد عدد الإصابات.

كما أن قواعد التطعيم جعلت الدخول إلى بعض البلدان أكثر صعوبة. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والإمارات والسعودية لم تطالب بالتلقيح ضد كورونا فقط، على الأقل لبعض الوقت، وإنما رفضت بعض اللقاحات المنتجة في الصين، معتبرة أنها غير كافية. لكن هذه اللقاحات كانت تستخدم بشكل متكرر في جنوب وجنوب شرق آسيا.

"سعودة" الوظائف وتشجيع العمالة المحلية

قد تكون السياسة المتشددة في السعودية على وجه الخصوص بسبب ما يسمى بـ "سعودة" الاقتصاد. إذ تطالب المبادرة الحكومية الجارية منذ عام 2018الشركات بـ "زيادة نسبة المواطنين السعوديين بين موظفيها"، مع فرض عقوبات على "الشركات التي  نسبة العمال السعوديين لديها منخفضة ونسبة العمال الأجانب مرتفعة"، حسبما جاء في دراسة لمنظمة حقوق الإنسان" FairSquare Project " . فعلى قطاع الصحة السعودي مثلا أن يحقق نسبة توظيف للمواطنين تتراوح بين 30 و 60 بالمائة.

كينيا: أمي تعمل في المملكة العربية السعودية

وتشير دراسة أجراها مركز التنمية الدولية بجامعة هارفارد إلى أن "الشركات (السعودية) التي تتجاوز النسبة المطلوبة تمنح بعض المزايا، بينما تواجه الشركات التي لا تحقق النسبة المطلوبة قيودا على توظيف الوافدين". وخلال الجائحة، تفاقم التمييز ضد العمال الأجانب بسبب شيطنة وسائل الإعلام لهم، فقد زعمت العديد من التقارير أن العمال المهاجرين كانوا يرفعون معدلات الإصابة بالفيروس.

لكن رغم ذلك، فإن هجرة العمالة من بنغلاديش لم تتضرر سوى لفترة قصيرة من القيود مثل تلك الموجودة في السعودية. حيث انخفض عدد العمال المهاجرين إلى الخارج بأكثر من الثلثين من 2019 إلى 2020 ، حسب ما وثقه مكتب بنغلاديش للقوى العاملة والتوظيف والتدريب. لكن منذ عام 2021 بدأ العدد بالارتفاع من جديد بسرعة كبيرة.

وعلى مدى ثلاثة أعوام متتالية، حطمت بنغلاديش الرقم القياسي للتحويلات المالية. فحسب التقديرات الحكومية، أرسل العمال المهاجرون أكثر من 22 مليار دولار في عام 2021. ويرجح د. زاهيد حسين، كبير الاقتصاديين سابقا في مكتب البنك الدولي في دكا، سبب التدفق القياسي للتحويلات إلى بنغلاديش مؤخرا أن كثيرين أرسلوا مدخراتهم إلى بنغلاديش خشية فقدان وظائفهم، "وربما عاد البعض إلى البلاد بكل مدخراتهم، لأنهم فقدوا وظائفهم"، ويضيف "وقد يكون هذا ما عزز تدفق التحويلات خلال السنتين الأخيرتين".

فيصل أحمد، ميشيل بنكه/ ع.ج