1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

في يومها العالمي - المياه كسبب لصراعات متوقعة بالشرق الأوسط

عماد حسن | كيرستن كنيب
٢٢ مارس ٢٠٢٤

يأتي اليوم العالمي للمياه هذا العام وسط أزمات مائية متصاعدة خصوصاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحوض النيل، فيما يقول خبراء إن الفقر المائي يضرب عدداً متصاعداً من دول المنطقة خاصة مع تغير المناخ وتردي البنية التحتية.

https://p.dw.com/p/4duUX
منظر عام يظهر العلمين الأردني والإسرائيلي على جانبي جسر حدودي بين البلدين، في موقع الباقورة في وادي الأردن، شرق نهر الأردن، في 13 نوفمبر 2019.
تشهد العلاقات الإسرائيلية الأردنية توتراً في الوقت الحالي بسبب المياه رغم توقيع البلدين لاتفاقيات بهذا الشأنصورة من: Khalil Mazraawi/AFP/Getty Images

يحتفل العالم سنوياً في الثاني والعشرين من مارس/آذار باليوم العالمي للمياه وهي فعالية عالمية يُراد منها إذكاء الوعي بالأمور ذات الصلة بالمياه.

في هذا العام أطلقت الأمم المتحدة مبادرة بعنوان "المياه من أجل السلام"، ذلك أن المياه قد تُرسي السلام أو تُشعل فتيل النزاع وفقاً لتوافرها أو شحها.

وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفترة طويلة من ندرة المياه، فبلدان مثل المغرب، وتونس، ومصر، وسوريا، والأردن، والأراضي الفلسطينية ليست استثناء، إذ تواجه تحديات مثل تزايد عدد السكان، وتغير المناخ، وممارسات إدارة المياه غير الفعالة التي تؤدي إلى تفاقم أزمة الموارد المائية المحدودة بالفعل.

نزاعات أردنية إسرائيلية ـ فلسطينية

تدور نزاعات بين إسرائيل من جهة والأردن والفلسطينيين من جهة أخرى حول نهر الأردن وعدد من الينابيع، حيث يتنافس الثلاثة على استخدام هذه الموارد.

وبموجب اتفاقية السلام الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1994، تزود إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبد الله إلى المملكة، مقابل سنت واحد لكل متر مكعب. وفي يوليو/ تموز 2021، توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تزود بموجبه الأخيرة المملكة بـ50 مليون متر مكعب من المياه الإضافية المشتراة، بموجب اتفاقية موقعة بينهما عام 2010، انبثقت عن  اتفاقية "وادي عربة". 

أزمة مياه متفاقمة في عدة مناطق في العالم

ووقَّع الأردن والإمارات وإسرائيل في 2021 "إعلان نوايا" للدخول في عملية تفاوضية لبحث جدوى مشروع مشترك لمقايضة الطاقة بالمياه، إلا أن حرب غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حالت دون توقيع اتفاقية أواخر عام 2023. وقررت عمّان في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عدم توقيع الاتفاقية، بعد تعرض المستشفى الميداني الأردني في غزة للقصف وإصابة 7 من كوادره، وأتهمت عمان إسرائيل بالقصف، لكن الجيش الإسرائيلي نفي الاتهامات الأردنية.

وعلى خلفية انتقاد مسؤولين أردنيين بشدة الحرب في قطاع غزة، هددت إسرائيل بعدم تمديد اتفاقية المياه مع عمان، بحسب هيئة البث الحكومية الإسرائيلية.

في هذا السياق، تقول الدكتورة راوية توفيق الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة إن هناك عدة اتفاقيات خاصة بتقاسم المياه بين عدة دول في المنطقة، "لكن السؤال المطروح هو عن مدى عدالة هذه الترتيبات وهل هي مجحفة في حق طرف من الأطراف أم لا".

وأضافت في حوار هاتفي مع DW عربية أن "الصراع على المياه في أي منطقة وفي منطقة الشرق الأوسط كمثال هو صراع سياسي في الأصل .. صحيح أن هناك ندرة في المياه في الكثير من دول المنطقة، لكن الحقيقة أن هناك نظرة من جانب الدول إلى حصتها من المياه ينشئها الأطراف في سياستهم وفي تخيلاتهم أكثر من أن تكون نظرة فعلية واقعية".

أزمة المياه في الأردن

ويعد الأردن ثاني أفقر بلدان العالم بالمياه، حيث تصل حصة الفرد السنوية من المياه 100 متر مكعب، فيما تبلغ حصة الفرد عالمياً 500 متر مكعب.

في هذا الإطار يقول توبياس فون لوسو الخبير بالمعهد الهولندي للعلاقات الدولية "كلينجينديل" إن هناك مشكلة نقص مياه كبيرة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، مع قليل من الاستثناءات المحلية، وهي مشاكل يمكن القول انها على مستوى مأساوي.

صورة تم التقاطها في 21 يوليو 2021، تظهر نظام ري محوري مركزي في إسرائيل يرش المياه في الحقول الزراعية القريبة من الحدود مع الأردن، جنوب بحيرة طبريا.
مع تزايد التحذيرات العلمية من الجفاف الشديد الناجم عن تغير المناخ، ينظر الكثيرون في إسرائيل والأردن بعيون قلقة إلى النهر الذي يجري بينهم وبين الموارد الحرجة ولكن المحدودة التي يتقاسمونها.صورة من: Menahem Kahana/AFP

وأضاف في حوار هاتفي مع DW عربية: "إذا نظرنا مثلاً إلى مؤشر الإجهاد المائي، فإن جميع دول المنطقة تقريبا تقع في الفئة الأدنى. وفي الأردن، فإن إمدادات المياه أفضل قليلاً بالطبع من الضفة الغربية وهي بدورها أفضل كثيراً من الوضع في غزة، وهذا يعود إلى حقيقة أن الأردن كدولة ذات سيادة تتولى إدارة المياه بنفسها.

وضع مائي متدهور في الضفة الغربية وغزة

على جانب آخر، أفادت ورقة بحثية أعدها عدد من الباحثين العرب بالشراكة مع مؤسسة "فريدريش إيبرت" بوجود مشكلة كبيرة في توافر المياه بقطاع غزة، حيث أشارت دراسات سابقة إلى أن كمية مياه الأمطار التي هطلت على قطاع غزّة، في موسم 2021-2022، بلغت نحو 440 مليمترًا، وهو ما يشكل نسبة 24% من المعدل العام في غزة، والبالغ 356 مليمترًا، كما يوجد عدد قليل من أحواض تجميع مياه الأمطار في القطاع، فضلًا عن تسرّب الملوّثات ومياه الصرف الصحّي إلى عددٍ كبير منها.

وتزايدت حدة الازمة في قطاع غزة مع الحرب الدائرة حالياً والتي تسببت في دمار هائل للبنية التحتية الخاصة بتوفير المياه. وبحسب مركز "مسارات" لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، يعتمد سكان قطاع غزة بشكل كامل على خزان المياه الجوفي؛ إذ يتم شحنه من مياه الأمطار بمعدل 30–40 مليون متر مكعب سنويًا.

لكن الخزان الجوفي يُعاني من استنزافٍ كبير، بسبب الضغط وكثافة السكان الذي يؤدي إلى سحبٍ أكبر منه، إضافة الى عدم وصول كميات المياه المُحددة إلى الخزان، "ما يُفقده نحو 40% من قدرته.

عمال فلسطينيون يعملون داخل محطة لتحلية المياه في مدينة غزة في 6 يونيو 2023.
يعاني قطاع غزة من نقص حاد في المياه المخصصة للاستخدام البشري والزراعي. وفي الوقت الحالي، فإن 97% من إمدادات المياه الرئيسية غير صالحة للشرب وحتى للاستخدام للزراعة.صورة من: Omar Al-Dirawi/Zumapress/picture alliance

ويقول فون لوسو الخبير بمعهد "كلينجينديل": "يجب التأكيد على أن وضع إمدادات المياه في قطاع غزة سيئ للغاية منذ عقود، بغض النظر عن حالة النزاع الحالية. وقد تفاقم هذا الوضع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وبالطبع، في سياق هذا النزاع، نواجه الآن وضعًا كارثيًا تمامًا هناك".

أضاف فون لوسو أن "قطاع غزة، ليس لديه موارد مائية خاصة به بشكل أساسي وكان يعتمد بشكل كبير على إسرائيل في إمدادات المياه. يعود ذلك جزئياً إلى أسباب سياسية، إذ لم يكن من الممكن بالطبع أو بصعوبة تنفيذ تدابير في غزة لمعالجة هذا الوضع المتردي. ومنذ 20 إلى 30 عامًا، يتم مناقشة ضرورة وجود محطة تحلية مياه أكبر في غزة، لأنه لا توجد خيارات أخرى".

وعن الوضع في الضفة الغربية، قال فون لوسو إن الأمر "أفضل قليلاً في هذا الصدد، رغم تراجع موارد المياه بشكل واضح على مدى السنوات الأخيرة. لكن الظروف السياسية تعيق هنا أيضاً تحسين وضع إمدادات المياه". وأشار إلى اعتقاده بأن هذا الصراع على المياه سيؤدي إلى تفاقم النزاع خاصة في الضفة الغربية.

مخاوف من حروب بسبب المياه

يقول خبراء إنه كلما تزايدت حدة أزمة نقص المياه في الشرق الأوسط تصاعدت المخاوف من انفجار صراع مسلح بين الدول على مصادر المياه، محذرين من خطر التصعيد في قضايا المياه في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤدي الصراعات حول توزيع المياه والندرة المتزايدة للموارد المائية إلى زيادة التوترات وحتى الاشتباكات العنيفة.

مضخات مياه في بئر بمنطقة وادي هيدان بالأردن - 7 أبريل 2016
يقول خبراء إنه كلما تزايدت حدة أزمة نقص المياه بالشرق الأوسط تصاعدت المخاوف من انفجار صراع مسلح بين الدول على مصادر المياهصورة من: Thomas Imo/photothek/imago

ويرى توبياس فون لوسو الخبير بالمعهد الهولندي للعلاقات الدولية "كلينجينديل" أن "ندرة المياه تؤدي لتعقد العلاقات بين الدول وكذلك الوضع العام في المنطقة، فبالإضافة إلى التوترات التي كانت موجودة بالفعل، تأتي الآن مشكلة المياه". لكنه استدرك بالقول إنه "في الوقت نفسه، نرى في السياق الدولي، فيما يتعلق بمشاكل المياه والصراعات المائية، اتجاهًا نحو التعاون بين الدول". 

وترى الدكتورة راوية توفيق أنه "وفق الأبحاث والدراسات السابقة بشأن ما إذا كانت المياه قد تسببت في أي صراع، فإنه "لا يوجد هناك صراع أو حرب بسبب المياه بشكل واضح إلا فيما ندر، وفي الغالب تتقاطع مشكلة المياه مع قضايا أخرى، فلا تكون حرب مياه بالمعنى الدقيق، وهذا ما تم رصده على مدار عقود". 

وقالت إن ما يمكن أن يزيد من حدة هذه الصراعات في المستقبل "هي قضايا أو عوامل نشهدها مثل تغير المناخ، والذي سيدخلنا في ما يسمى بـ Extrem events أو الظواهر الحادة مثل الفيضانات العنيفة أو التعرض لسنوات طويلة من الجفاف، حيث أنه مع وجود هذه الظواهر لا يمكن التكهن بالظرف السياسي الذي سيكون موجوداً في هذا الوقت والذي سيتفاعل مع هذه العوامل الطبيعية فيؤدي إلى زيادة حدة هذه الصراعات".

 اقتراحات لحل مشاكل المياه في الشرق الأوسط

ويرى خبراء أن هناك عدة حلول لمواجهة أزمة المياه في المنطقة، منها التعاون الإقليمي وذلك بتشجيع الدول المعنية على التعاون عبر الحدود لإدارة وتوزيع الموارد المائية بشكل عادل وفعال من خلال توقيع اتفاقيات ومعاهدات للمياه بين الدول المتنازعة.

ومن الحلول أيضاً اللجوء لتقنيات تحلية المياه، لزيادة إمكانية الوصول إلى المياه في المناطق ذات النقص المائي، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات لإدارة مستدامة للموارد المائية، بما في ذلك إعادة تدوير المياه وحماية المناطق المائية الطبيعية مثل الينابيع والأنهار، وانتهاء بالتدخل الدولي من خلال تقديم الدعم والتوجيه من قبل المجتمع الدولي لتسوية الصراعات المائية وتوجيه الدول نحو حلول مبنية على العدالة والتعاون.