1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عرفات: الغائب الحاضر في الذاكرة الفلسطينية

يبقى عرفات بعد عام من رحيله رمزا لنضال شعبه من أجل استعادة حقوقه. واليوم يحيي الفلسطينيون الذكرى الأولى لرئيسهم الراحل ويضعون حجر الأساس لإقامة ضريح ومتحف للراحل. وجماعة من النواب يشكلون لجنة لمحاولة الكشف عن لغز موته

https://p.dw.com/p/7RNc
مسيرات بمناسبة مرور عام على وفاة عرفاتصورة من: AP

تظل صورة ياسر عرفات على خلفية المسجد الأقصى وهو يبتسم ويرسم بيده علامة النصر محفورة في الأذهان علامةً على أمل لا يخبو في الوصول إلى الهدف مهما طال الطريق. كفاح الشعب الفلسطيني بمختلف أشكاله وتوجهاته وجد في شخصية عرفات الكاريزماتية رمزا يجمع أطراف القضية ويمثلها عربيا ودوليا، فكان يكفي أن يرى المرء وجهه معتمرا حطته الشهيرة حتى يستحضر القضية التي يقف وراءها الرجل بكل أبعادها. مرت حياة الراحل بمراحل عديدة، امتدت لتشمل التنظيم السياسي والكفاح المسلح على أرض المعركة ثم التفاوض من أجل السلام على طاولة المباحثات. لكن عرفات، وعلى عادة الشخصيات التي تتحول إلى رمز، احتكر الحق في اتخاذ القرارات وفضل دائما أن تبقى جميع الخيوط في يده، وهو ما أثار انتقادات معاصريه، خاصة بعد استشراء الفساد في جسم السلطة الفلسطينية.

Das Grab von Yasser Arafat mit Blumen in Ramallah
ورود على قبر الراحلصورة من: AP

واليوم الجمعة تبدأ في مبنى المقاطعة مقر الرئاسة الفلسطينية في مدينة رام الله بالضفة الغربية مراسم إحياء الذكرى الأولى لوفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وقام الرئيس محمود عباس يرافقه رئيس الوزراء احمد قريع بوضع حجر الأساس لضريح الرئيس الراحل ومتحف ومسجد في ساحة المقاطعة ، حيث أمضى عرفات آخر ثلاث سنوات من عمره تحت حصار الجيش الإسرائيلي. وأقيمت صلاة الجمعة إلى جوار قبر عرفات الذي ووري الثرى في ساحة المقاطعة، تلك التي دمرتها الدبابات الإسرائيلية خلال فترة الحصار. كما نُظمت مسيرات عديدة في المدن والمخيمات، تُلي فيها القرآن الكريم على روح الفقيد في الأماكن العامة والمراكز الثقافية، كما خصصت وسائل الإعلام الفلسطينية تغطية خاصة بهذه المناسبة، عرضت فيها أهم المحطات في حياة الراحل وركزت على حصاره في المقاطعة ومواقفه السياسية الهامة.

انطباعات من الشارع الفلسطيني

السيد معتصم الأشهب من مدينة رام الله يقول قبل توجهه للمشاركة في الاحتفال المركزي بالذكرى السنوية: "عرفات لم يكن مجرد رئيس بل رمز للشعب الفلسطيني، إليه يعود الفضل في تجميع الشتات الفلسطيني وخلق شعب له هوية وطنية وأرض وكيان ومشروع دولة مستقلة". ويستذكر السيد الأشهب في هذا اليوم الظلم الذي لحق بالرئيس عرفات على الصعيد الدولي بسبب مواقفه الشجاعة كالمطالبة بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية، والتمسك بحق اللاجئين في العودة، والمطالبة بإيقاف بناء المستوطنات وحائط الفصل العنصري. ويتابع الأشهب: "أستذكر بكل أسى حصار الرئيس في المقاطعة في سنواته الأخيرة، ثم مرضه الغامض الذي أودى بحياته دون أن نعرف كنهه، وأستذكر مواقفه الشعبية وسعة صدره وحبه للأطفال".

Plakate kleben für einen erfolgreichen Palästinenser-Präsidenten-Wahlkampf
عرفات الحاضر الغائبصورة من: AP

ولا يتفق السيد الأشهب مع الرأي الذي روجت له الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية والقائل بأن عرفات عقبة في طريق السلام، وقال: "عرفات كان مفتاحا وفرصة للسلام لم تستغل بسبب التعنت الإسرائيلي والتحيز الأمريكي. اليوم وبعد مرور عام على رحيل عرفات يظهر جليا أنه لم يكن العقبة في طريق السلام، وإنما المواقف الإسرائيلية المتعنتة هي التي تعطل عملية السلام. عام مر وإسرائيل تصر على موقفها الرافض لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في تقرير المصير، وعلى تجاهل خريطة الطريق وكافة قرارات الشرعية الدولية. هذه المواقف هي العقبة التي تقف في طريق السلام".

إدارة الثورة وإدارة الدولة

Palmyra Verlag Arafat und Georg Stein
صورة تجمع شتاين مع عرفاتصورة من: Palmyra Verlag

جيورج شتاين صاحب دار بالميرا الألمانية للنشر زار قبر الرئيس الراحل بصحبة عدد من رموز معسكر السلام الإسرائيلي مثل يوري أفنيري وامنون كابليوك، وعبر في لقاء مع موقعنا عن تقديره لشخصية الرئيس عرفات، فإليه يرجع الفضل في إنقاذ القضية الفلسطينية من أن تتحول إلى مجرد قضية لاجئين بعد النكبة عام 1948، وأضاف شتاين "بفضل عمل عرفات المتواصل أصبحت القضية الفلسطينية اليوم هي قضية شعب يناضل من أجل حق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، وليست مجرد قضية لاجئين مشردين". وانتقد شتاين موقف الدبلوماسية الألمانية التي تبنت سياسة عزل عرفات وتهميشه في السنوات الأخيرة، موضحا أن عرفات كان رئيسا منتخبا من قبل الشعب ويحظى بشعبية كبيرة. غير أن شتاين انتقد في الوقت نفسه الأخطاء التي وقع فيها عرفات مثل عدم جديته في محاربة الفساد. جدير ذكره أن دار بالميرا التي تعنى بالصراع العربي الإسرائيلي أصدرت مؤخرا سيرة جديدة لحياة عرفات كتبها الصحفي الإسرائيلي امنون كابليوك.

"إدارة الثورة تختلف عن إدارة الدولة". هكذا تحدث السيد الأشهب في معرض رده على الانتقادات التي توجه إلى طريقة الرئيس عرفات في الحكم. ومضى قائلاً: "الوضع السياسي الذي حكم فيه الرئيس عرفات كان معقداً جديدا. فلقد كانت هناك مسئوليات كبيرة على عاتقه منها إدارة فتح وإدارة المنظمة والسلطة الوطنية. ويمكن وصف هذه المرحلة بأنها مرحلة وسطى بين الانتقال من إدارة الثورة إلى إدارة الدولة، و كعادة الفترات الانتقالية تكون فيها الأمور معقدة لأنها خليط بين الجديد والقديم، إضافة إلى وجود بعض المنتفعين والفاسدين الذين يعملون لمصلحتهم الشخصية، ولعل هذا هو سبب الهفوات التي حدثت". ويضيف الأشهب أنه تبين بعد وفاة عرفات أنه لا يمتلك شيئا سوى بزته ومسدسه وإيمانه بقضيته. ويرى أن الكلام عن قضية الفساد يعكس الشفافية التي يتمتع بها المجتمع الفلسطيني والتي تغيب عن كثير من دول الجوار.

محطات في حياة عرفات

Arafat spricht vor der Uno, 1974
عرفات أثناء القاءه كلمته التاريخية أمام الامم المتحدة عام 1974صورة من: AP

ولد عرفات عام 1929 واشتهر بلقب أبو عمار، التحق بجامعة القاهرة وتخرج منها كمهندس مدني. بعد حرب السويس عام 1956 انتقل إلى الكويت ومن هناك ساهم في تأسيس حركة فتح، وفي عام 1969 تم انتخابه رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية. في أواخر الستينيات، شهد الأردن توترا بين فصائل المقاومة الفلسطينية والحكومة الأردنية، إذ سيطر المقاتلون الفلسطينيون (الذي كان يطلق عليهم لقب الفدائيين) على عدد من النقاط الحيوية في الأردن، ومنها مصفاة البترول الأردنية. شعر الأردن عندها بالتهديد من الجماعات الفلسطينية التي لم يكن لها قيادة مركزية، وأدت تراكمات عدة أحداث إلى اندلاع القتال ما بين قوات الحكومة الأردنية والمقاتلين الفلسطينيين في يونيو 1970. تأزمت الأمور رغم محاولات الدول العربية التهدئة، حتى تفجرت أحداث ايلول الأسود، وعلى أثر نجاح القوات الأردنية في مهمتها، تم إعلان وقف إطلاق النار، وانسحبت الفصائل الفلسطينية وعرفات من الأردن إلى لبنان.

على أثر انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من الأردن، تم إعادة تمركز القوات في لبنان، الذي كان يتميز بضعف حكومته المركزية، وأخذت حركة فتح توسع نفوذها بفضل شعبيتها الكبيرة في المخيمات الفلسطينية في لبنان. واتى قدوم الفصائل الفلسطينية إلى لبنان ليؤثر على التوازن الطائفي الموجود هناك، وليساعد على إعادة اشتعال الحرب الأهلية هناك، التي كانت قد بدأت بوتيرة منخفضة منذ سنوات. وأدى اختلاف التوازن الطائفي في لبنان إلى قيام تحالف ما بين إسرائيل والعديد من الفصائل المسيحية في لبنان، وعلى رأسها حزب الكتائب اللبناني، كما أن القوى السنية في لبنان وجدت في الفصائل الفلسطينية مصدر قوة لها. وفي 1982 على أثر طلب مباشر، وإثر اجتياح إسرائيل للبنان، تم تسفير القيادات والمقاتلين الفلسطينيين، لينتهي المطاف بهم في تونس. وعندما سُئل عرفات وهو يركب السفينة المغادرة إلى أين هو ذاهب، ابتسم وقال: إلى القدس طبعا.

Bildgalerie Arafat - Arafat fliegt nach Paris
عرفات يغادر رام الله للمرة الأخيرةصورة من: AP

لم يدخل عرفات القدس لكنه مات على مشارفها، فلقد نجح في الوصول إلى رام الله بعد رحلة طويلة في المنافي، وهناك استقر على مبعدة 10 كيلومترات من المدينة التي كان يريدها عاصمة لدولته. جاء موت عرفات في وقت تطبق فيه على القضية الفلسطينية ظلمة حالكة وحالة من انسداد في الأفق. وحتى اليوم لا تزال أسباب موته لغزا محيرا في ظل اقتناع العديد من المسئولين الفلسطينيين بأنه قضى مسموما. وكان الرئيس عرفات نقله إلى فرنسا للعلاج من مرض غامض ودخل غيبوبة في احدى المستشفيات الفرنسية، وفي 11 من تشرين الثاني/نوفمبر 2004 رحل عرفات بعدما أمضى أسبوعين في غيبوبة متقطعة ولم تخضع جثته للتشريح. وقال آنذاك رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع إن "الأطباء الفرنسيين والفلسطينيين خلصوا إلى أن الطب لم يتمكن من معالجة الآلام التي يعانيها الرئيس". وقال التقرير إن الوفاة ناتجة من نزف دماغي اثر التهاب، لكنه لم يحدد أسباب ذلك. وفي هذا الإطار تم الإعلان عن تشكيل مجموعة من النواب الفلسطينيين للجنة جديدة في محاولة لحل اللغز، وقال النائب عبد الجواد صالح الذي يترأس هذه اللجنة "سندرس خصوصا أسباب إحجام اللجنة الوزارية عن طلب إجراء تشريح". وأضاف "هدفنا درس الأسباب الحقيقية لموت الرئيس عرفات وإعلانها للناس، وسنطلب عند الضرورة نبش الجثة وإخضاعها للتشريح".

هيثم عبد العظيم/ناصر شروف

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد