1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

شح المساعدات يهدد مئات آلاف العوائل في إدلب السورية

ديانا هودالي | عمر البم
٢٨ فبراير ٢٠٢٤

قلصت المزيد والمزيد من برامج المساعدة لشمال غرب سوريا دعمها أو حتى أوقفتها بالكامل، ما ينذر بعواقب وخيمة على مخيمات اللاجئين.

https://p.dw.com/p/4csdv
مخيم للاجئين في معرة مصرين بمنطقة إدلب (22/2/2024)
مخيم للاجئين في معرة مصرين بمنطقة إدلب، تتحول أرضه لبركة وحل في الشتاء، وفي الصيف تتحول الخيام إلى ما يشه الأفران من شدة الحرارة. صورة من: Omar Albam/DW

منذ ما يقرب من خمس سنوات تعيش هناء أ. مع أطفالها وأحفادها في مخيم للاجئين في معرة مصرين، على بعد 25 كيلومتراً شمال مدينة إدلب السورية. يقع المخيم على أرض غير معبدة تتحول لبركة وحل في الشتاء لدرجة أنه لا يمكن السير فيها إلا بصعوبة. وفي الصيف، تتحول الخيام إلى ما يشه الأفران من شدة الحرارة لدرجة أنه لا يمكن الجلوس داخلها، حسبما أفاد قاطنوها.

يتكدس أفراد أسرة هناء البالغ عددهم 14 شخصاً في إحدى الخيام فوق بعضهم البعض، ودون مياه جارية. تقول السيدة البالغة من العمر 55 عاماً: "وضعنا سيء، الخيام لا تقي من المطر، وخيارات غسل الثياب محدودة للغاية". وتتابع: "أنا أرملة ويجب أن أعتني بكل شيء بنفسي".

كانوا أفضل حالاً فيما مضى عندما كانت مدينتها معرة النعمان في محافظة إدلب لا تزال تحت سيطرة المعارضة ولم يستعيدها النظام السوري بعد. آنذاك كان زوجها لا يزال على قيد الحياة، قبل أن يقضي بفعل الهجمات الروسية والسورية أثناء فرارهم من معرة النعمان.

ومحافظة إدلب هي إلى الجيب الكبير الأخير الذي يسيطر عليها المتمردون والإسلامويون. والسيطرة الأقوى هناك للميليشيات الإسلاموية، ولا سيما "هيئة تحرير الشام"، التي انبثقت عمّا يسمى "جبهة النصرة" الموالية لتنظيم القاعدة.

تعيش هناء مع أولادها وأحفادها في مخيم للاجئين في معرة مصرين (22/2/2024)
تعيش هناء مع أولادها وأحفادها في مخيم للاجئين في معرة مصرينصورة من: Omar Albam/DW

الهروب إلى المجهول

لم يكن هروب هناء وأسرتها سهلاً: فقد تركوا وراءهم جدرانهم الأربعة وذكرياتهم وحياتهم بأكملها في الواقع، وقبل كل شيء ما يكفي من الطعام وهو الشيء الذي يفتقدونه اليوم. تشرح هناء: "ارتفعت أسعار جميع المواد الحياتية والمستلزمات اليومية. ليس لدي عمل. وقلّت كمية المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية". وهناء ليست الوحيدة التي تعاني من هذه الضائقة بل يشاركها الوضع الكارثي معظم الناس في إدلب.

ومن بين 4.5 مليون شخص يعيشون في شمال غرب سوريا، هناك 2.9 مليون نازح داخلياً. ويعيش نحو مليونين منهم في مخيمات للاجئين، معظمها على الحدود مع تركيا.

يسود نقص في الإمدادات الأساسية في المخيمات. ولم تعد المنظمات المحلية قادرة على مساعدة الناس أكثر. يقول عبد الله الكميت، الموظف في منظمة الإغاثة المحلية "فريق ملهم التطوعي": "لقد تدهور الوضع في هذا الجزء من سوريا. قلّت مساعدات الأمم المتحدة التي يعتمد عليها الناس بشكل كبير".

استمرار مأساة السوريين في المناطق التي تعرضت للزلزال القاتل

نقص في كل شيء

أدت الحرب المستمرة، والوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، والزلزال الذي وقع في 6 شباط/ فبراير 2023 إلى جعل حياة أكثر من 90 بالمائة من 4.5 مليون شخص في شمال غرب البلاد معتمدة على المساعدات الدولية. وأدى القصف والهجمات التي شنها الجيشان السوري والروسي إلى مقتل عشرات الأشخاص ونزوح أكثر من 100 ألف هناك منذ أغسطس/ آب 2023.

ويقول ديفيد كاردين، نائب المنسق الإقليمي للأمم المتحدة لمساعدة سوريا، لوكالة أسوشيتد برس للأنباء خلال زيارة لإدلب نهاية كانون الثاني/ يناير، إنه في بداية عام 2023 لم تكن الأمم المتحدة قادرة إلا على تأمين 37 بالمائة من المساعدات الإنسانية المطلوبة في سوريا، بإجمالي 4.9 مليار دولار.

أدى النقص الكبير في الموارد المالية إلى وقف مساعدات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في جميع أنحاء سوريا اعتباراً من شهر من كانون الثاني/ يناير 2024، مما أدى وسيؤدي إلى عواقب وخيمة على السكان، خاصة في مخيمات اللاجئين في إدلب، التي اعتاد الكثيرون أمثال هناء على تلقي حصة من المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والدقيق والعدس من برنامج الأغذية العالمي بشكل منتظم. وتقول: "نحن بحاجة ماسة لتلك المعونة، وليس بوسعنا شراؤها بالكميات (المطلوبة) فثمنها باهظ. ولسوء الحظ، ليس لدي عمل".

ويؤدي ارتفاع التضخم وزيادة البطالة إلى تفاقم الوضع، ما يشكل تحديات هائلة أمام السكان. ويواجه الكثير من الناس مهمة شبه مستحيلة تتمثل في تلبية احتياجاتهم الأساسية. ولا يوجد نقص في الغذاء فحسب، بل هناك أيضاً نقص في الأدوية والرعاية الطبية التي تشتد الحاجة إليها. ويخشى روس سميث، نائب المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا، من أن يؤدي إنهاء المساعدات الغذائية العامة إلى معاناة المزيد والمزيد من الناس من سوء التغذية.

هناء (55 عاما) تعيش مع عائلتها في مخيم بمعرة مصرين وهم بحاجة ماسة للمعونات الإنسانية (22/2/2024)
تقول هناء (55 عاما) إنها وعائلتها في مخيم معرة مصرين بحاجة ماسة للمعونات الإنسانية، فأثمان المواد الغذائية باهظة كما أنه ليس لديها عمل.صورة من: Omar Albam/DW

نقطة ماء في محيط شاسع

يعزو كثيرون سبب الأزمة الأخيرة إلى "إرهاق المانحين"، ونشوب أزمات أخرى في أماكن أخرى حول العالم، ووجود مشاكل تمويلية في برامج المساعدات: "في عالم اليوم، بعد جائحة كورونا، لا يزال الجوع الحاد عند مستوى قياسي. ومع ذلك، لقد انخفض تمويل المساعدات الإنسانية إلى مستويات ما قبل الوباء"، يوضح مارتن بينر، المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، في جواب على سؤال طرحته DW. ويتابع: "تعكس التخفيضات التي قدمها برنامج الأغذية العالمي لسوريا الوضع المالي الأكثر صعوبة الذي يواجه القطاع الإنساني بأكمله اليوم".

ومن أجل الحد من مخاطر ما يسمى بـ"إرهاق المانحين"، ودعم المجتمع المدني السوري، ومواصلة تعزيز جهود الأمم المتحدة، أطلق الاتحاد الأوروبي ما يسمى بمؤتمرات بروكسل حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" في عام 2017. وفي نسخة عام 2023، تعهد المانحون بتقديم ما مجموعه 5.6 ​​مليار يورو، منها 4.6 مليار يورو لعام 2023، ومليار يورو فقط لعام 2024. والمساعدات الموعودة لا تمثل إلا قطرة في محيط، إذا أخذنا تقديرات البنك الدولي بأن زلزال 2023 وحده تسبب في أضرار تصل إلى ما يقرب من خمسة مليار يورو في شمال سوريا.

حياة بائسة يعيشها اللاجئون في إدلب السورية (22/2/2024)
حياة بائسة يعيشها اللاجئون في إدلب السوريةصورة من: Omar Albam/DW

ولذلك يشعر عبد الله الكميت من "فريق ملهم التطوعي" بالقلق: "يحتاج الناس في الواقع إلى المزيد من المساعدة الآن أكثر من ذي قبل، لا تقليص تلك المساعدات!"

بيد أن برنامج الأغذية العالمي يخطط لمواصلة دعم الأطفال دون سن الخامسة وكذلك الحوامل والمرضعات وبرامج التغذية المدرسية والأسر الزراعية. وأوضح روس سميث، نائب المدير القُطْري لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا، لـ DW، أن برنامج الأغذية العالمي: "سيواصل دعم الأسر المتضررة في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء البلاد من خلال عمليات طوارئ أصغر حجماً ومحددة زمنياً وأكثر استهدافاً".

ولكن كل ما قيل ويقال عن مواصلة الدعم هنا وهناك لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لهناء أ. وعائلتها، فهي لا تعرف بعد كيف ستطعم نفسها وأسرتها دون الدعم الغذائي ودون عمل.

أعده للعربية: خالد سلامة