1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رحلة الى "أرض المتناقضات": الأديب الألماني شولتزا يروي ذكريات زيارته لليمن

جابريلا شاف/ إعداد: عبده جميل المخلافي٩ سبتمبر ٢٠٠٦

ساقت الأقدار الأديب الألماني إنجو شولتزا الى اليمن، او ارض المتناقضات كما يسميها. مزيج من مشاعر الخوف والاندهاش كانت تخالجه في عالم لم يألفه من قبل. شولتزا الذي صار مفتونا بالأدب العربي يخطط للعودة ثانية الى اليمن.

https://p.dw.com/p/9630
اليمن"بلد المتناقضات""صورة من: dpa - Bildfunk

قبل هذه الزيارة لم يكن الأديب الألماني إنجو شولتزا يعرف شيئا عن اليمن، بل"أقل من لاشيء" كما يقول هو. ولذلك فهو يتحدث عن هذه الزيارة بالتفصيل الممل منذ صعوده إلى طائرة "الخطوط الجوية اليمنية" وحتى وطأت قدماه ارض اليمن ثم مشاهداته هناك والخوف الممزوج بالدهشة. في الطائرة، كان شولتزا، طوال الوقت مشغولا بمعرفة تلك العلامة الغريبة (البوصلة) الموجودة في الشاشة التلفزيونية المثبته على جدران الطائرة: "وعندما قال لي أحدهم بأنها ترمز إلى اتجاه الكعبة في مكة، اعتقدت بأن ذلك مجرد دعابة منه، لكن بعد أن مر وقت طويل على الرحلة واخذ اتجاه البوصلة يتغير، تيقنت أن الأمر لم يكن كذلك. لقد كان ذلك بالنسبة لي شيء غير معتاد". وهكذا بدى لشولتزا بأن مركز العالم صار الآن هو مكة. أما أوروبا فإنها تبتعد عنه شيئا فشيئا أو انه هو الذي يبتعد عنها شيئا فشيئا حتى صار بينه وبينها مسافات طويلة. وكان شولتزا قد قام بهذه الزيارة ضمن وفد من الأدباء الألمان لحضور ملتقي للأدباء الألمان والعرب عام 2004. كان الوفد الألماني يضم في عضويته ايضا جونتر جراس الأديب المشهور الحائز على جائزة نوبل للآداب.هذه الرحلة كانت بالنسبة له بمثابة الرحلة إلى المجهول. فهو مازال يتذكر تماما شعوره بعدم الاستعداد الجيد لهذه الرحلة. وكان يسال نفسه عما إذا كان اختياره لهذه الرحلة في محله. لكنه كان يقول لنفسه أيضا إنها فرصة للتعرف على عالم غريب وأناس غرباء يرى ويرصد ويكتب عنهم. وتأكد له ذلك عندما وطأت قدماه ارض مطار صنعاء.

الرقص بالخناجر وسيمفونية آذان الفجر

Ingo Schulze (Bildergalerie Buchpreis-Kandidaten 2008)
الأديب الألماني إنجو شولتزاصورة من: PA / dpa

يروي شولتزا لحظة وصوله صنعاء: "تم إستقبالنا استقبالا فلكلوريا. كان الرجال يرقصون بخناجرهم وسيوفهم المقوسة في حلقة دارية. ولم يشأ احد أن يأخذ الأمر بجدية، لان الحقائب كانت لا تزال على الأرض وهم يرقصون حولها وكأنهم يريدون السطو عليها". عندما قاموا بالجولة الليلية الأولى في شوارع وأزقة صنعاء القديمة، كانت تخالجه مشاعر متناقضة. هناك في الزوايا المعتمة من المدينة أخذ يسأل نفسه فيما إذا كان سيتعرض المرء هنا للاختطاف ؟ لكن ما يلبث هذا الشعور بالخوف ان يتبدد بسرعة وسط دهشة المشاهد تلو الأخرى. أكتشف شولتزا بأن كل شيء كان مختلفا عما هو عليه الحال في أوروبا، حتى العتمة كانت أكثر رومانسية ودفئا. الأضواء تتسلل خافتة من خلف نوافذ البيوت القديمة المبنية من اللٍبن (الطين المحروق). لقد تذكر عندما رأها المطابح الألمانية القديمة على الرغم من انه لا يوجد أي وجه شبه بين الاثنين، كما يقول. تلك البيوت حيرته بحيث لم يستطع معرفة حتى العمر التقريبي لها. هل عمرها 50 أو 100 او 500 سنة؟ هناك شيء أخر اقلق الأديب الغريب عن تلك الديار وهي تلك الأصوات المرتفعة المتناغمة التي صدحت مبكرا من كل زاوية ومكان في صنعاء. لم يعرف في بداية الأمر بأن تلك السيمفونية التي عزفتها أصوات المؤذنين في الصباح الباكر هي طقس ديني. لقد أعتقد بأن المدينة تعيش حالة هيجان ثوري، الأمر الذي عاود لديه مشاعر الخوف مرة أخرى. تنقل شولتزا مع الوفد الألماني في مناطق مختلفة من اليمن: في شبام مثلا التي يطلق عليها "مانهاتن الصحراء" نظرا لوجود أقدم ناطحات سحاب في العالم فيها. ثم ذهب الوفد إلى منطقتي سيؤن وتريم حيث توجد معامل لحرق اللِبن. هنا اقترح الأديب جونتر جراس إنشاء ورشة لتعليم فنون حرفة بناء اللِبن، كما يروي شولتزا. وأستطاع جراس في نفس اليوم الحصول على تبرع من قبل السفير الأمريكي لهذا المشروع. عموما أستطاع جراس أن يحقق بعض الأشياء لليمن وللأدباء اليمنيين أيضا، حسب قول شولتزا. كان برنامج الزيارة يحتوي أيضا على زيارات استطلاعية، استقبالات وحضور عروض رقص شعبي فلكلوري، تحتم على الأدباء الألمان أيضا أن يشاركوا بالرقص فيها.

قارئان جيدان: رجل يجلس في المسجد وآخر على كرسي الرقابة

Günter Grass tanzt - Jemen
عندما رقص الأدباء الألمان في اليمن: في الصورة جونتر جراس

ويأتي في مقدمة البرنامج مؤتمر الأدباء الذي انعقد في مدين صنعاء. كان على شولتزا ان يلقي كلمة الافتتاح الخاصة بالأدباء الألمان نيابة عنهم. ترك للسانه ان يعبر عما يجول في خاطره من مشاعر شخصية ومعايشات في البلد المضيف بما في ذلك عن الخوف الذي كان يعتريه. ومن المدهش في نظره ان كلمته لم تلق أي صدى لدى المشاركين العرب في المؤتمر. على العكس من ذلك تماما كانت كلمة وزير الثقافة اليمني الذي رحب بحرارة بالضيوف القادمين من أوروبا. يضيف شولتزا: "لقد تم مقارنتنا بسرب من الطيور او الحمام. أما التألق والظهور فقد فقدناه هناك في اليمن". كان اللقاء في حد ذاته وخصوصا بالنسبة للزملاء العراقيين الذين يعيشون خارج بلادهم على درجة كبيرة من الأهمية. لاحظ شولتزا أن الرمزية والمعاني الخفية بين السطور هي أهم شيء في الرسالة التي يريد الأدباء توصيلها. وهذا عاد بالذكريات لديه إلى أيام جمهورية ألمانيا الشرقية عندما كان للكلمات إيقاع يشبه صدى القنابل. الفارق فقط هو في طبيعة المحظورات في بلد إسلامي: "لقد كان هذا الموضوع 'الأدب والمكان' ممل إلى حد النعاس. فجأة أنبرت امرأة يمنية ملثمة لم يظهر منها سوى العينين، وتحدثت عن أن البيت يمكن أن يكون مكانا للعنف ثم قذفت فجأة بكلمة 'اغتصاب'. حينها توترت الأجواء في القاعة. لقد كان ذلك إذا أحد الموضوعات المحظور الخوض فيها".

توصل شولتزا إلى نتيجة مفادها بأن على المؤلفين العرب أن يضعوا نصب أعينهم اثنين من القراء عندما يكتبون: الرجل الذي يجلس في المسجد والثاني في الرقابة. ومع ذلك يجب الإشارة إلى أن الزملاء العرب كانوا يتحدثون بثقة عالية بالنفس وبصراحة واضحة، ولذلك يتوجب دعمهم في جهودهم من أجل تحقيق حرية أكبر، بما في ذلك من خلال وفود تكون المرأة غير المنقبة ممثلة فيها. مسألة القبول بثقافة غريبة ونقد جوانب منها في نفس الوقت كانت في نظر شولتزا تعبيرا عن واقع ذي شقين. "من الطبيعي أن يقول المرء بأنه لن يذهب إلى بلد يعاقب فيه القانون المثليين بالقتل. لكن من ناحية أخرى، وعندما يمر المرء في الشارع، لا يصدق عينيه وهو يرى رجالا يسيرون وهم يمسكون أيدي بعضهم البعض دون ان يتهمهم أحد بالمثلية. غير انه ما أسرع ان تقاد المرأة إلى السجن بدون سبب، فقط لأنها حاولت ان يكون لها جزء من حياتها الخاصة بعيدا عن سيطرة زوجها. أو أنها تريد الانفصال عنه أو إذا أفصحت عن مشاعر تجاه رجل آخر".

افتتان بالأدب العرب

Sana Hauptstadt von Jemen
صنعاء القديمة أدهشت كما أخافت غنجو شولتزاصورة من: AP

لم يعد إنجو شولتزا الى برلين وهو يجر وراءه حقيبة مليئة بالهدايا فحسب، بل وفي بجعبته الكثير من المهام التي أنجز كما لابأس يه حتى الآن. من هذ المهام التعمق في الأدب العربي الحديث. فقد كانت هذه الرحلة بالنسبة له بمثابة نقطة البداية للافتتان الكبير بالأدب العربي. ومن نتائج زيارة شولتزا لليمن تعرفه هناك أثناء مؤتمر الأدباء على الأديب المصري غسان الغيطاني الذي ظل على إتصال معه ويعملان الآن معا على إصدار مؤلف الغيطاني "كتاب الأقدار" باللغة الألمانية. في السنة القادمة سوف يذهب شولتزا مرة أخرى في رحلة خاصة مع العائلة الى اليمن، البلد المليء بالمتناقضات. إنه أمر مهم بالنسبة له كألماني ينظر الى الجوانب الخفية للإسلام ويعرف في نفس الوقت ان اليمن هو البلد الوحيد في شبه الجزيرة العربية الذي يوجد فيه أحزاب سياسية معارضة.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد