1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حرب أوكرانيا.. سياسة ألمانيا الخارجية في مرمى الانتقادات!

١٢ أبريل ٢٠٢٢

يرى منتقدون أن غزو أوكرانيا أكبر دليل على عدم صحة سياسة "التغيير من خلال التجارة" التي اتبعتها ألمانيا مع روسيا. وأبرز من يقف خلفها، المستشارة السابقة، أنغيلا ميركل. لكنها ليست وحدها، بل جيل كامل من الساسة الألمان.

https://p.dw.com/p/49mmk
المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 20.08.2021
المستشارة السابقة أنغيل ميركل كانت مهندسة سياسة "التغيير من خلال التجارة" وتوطيد العلاقات مع روسياصورة من: Sputnik/REUTERS

 صور حمام الدم والضحايا المدنيين في مدينة بوتشا، تحمّل الحكومة الأوكرانية مسؤوليتها للجنود الروس. لكن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وجه "اتهامات خطيرة" للمستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل أيضا، وقال زيلينسكي إنه دعاها لزيارة بوتشا لترى "ما أدت إليه سياسة تقديم التنازلات لروسيا خلال 14 عاماً".

قبل 14 عاماً، في قمة حلف شمال الأطلسي في بوخارست، سعت أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي، إلى عدم توجيه دعوة لأوكرانيا للانضمام إلى الناتو حتى لا تستفز روسيا. يسمي زيلينسكي هذا الآن بـ "سوء تقدير" ، ولهذا السبب تعيش أوكرانيا الآن "أسوأ حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية".

الموافقة على "نورد ستريم 2" بعد ضم شبه جزيرة القرم

حتى بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 ، استبعدت حكومة ميركل تسليم شحنات أسلحة إلى أوكرانيا. بعد ذلك بوقت قصير، وافقت على خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2" عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا وتجاوز أوكرانيا باعتبارها دولة عبور للغاز. يتساءل هينينغ هوف، من جمعية السياسة الخارجية في ألمانيا: "كيف يجب ألا تفهم موسكو ذلك بأنه قبول ضمني بتغيير الحدودي بالقوة؟".

كما خاطب رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز مورافيكي، ميركل مباشرة: "السيدة المستشارة، تلتزمين الصمت منذ بداية الحرب. إن سياسة ألمانيا بالتحديد على مدى السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية هي التي أدت إلى امتلاك روسيا الآن قوة قائمة على احتكار بيع المواد الخام ". وقال مورافيكي إن ألمانيا في عهد المستشار، أولاف شولتز، تمنع الاتحاد الأوروبي من فرض العقوبات الشد حزما.

الرئيس الأوكراني، فولوديمير سيلينسكي في بوتشا
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يتوقف عن المطالبة بتزويد بلاده بالمزيد من السلاح ووقف استيراد الغاز والنفط من روسياصورة من: Ronaldo Schemidt/AFP/Getty Images

ليست ميركل وشولتس وحدهما في الوقت الحالي اللذان يتعرضان للنتقادات. من جانبه، اتهم أندريه ميلنيك، السفير الأوكراني في برلين، الرئيس الألماني ووزير الخارجية السابق، فرانك فالتر شتاينماير في صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية، يوم الأحد (10 نيسان/ أبريل 2022)  بقوله "العلاقة مع روسيا بالنسبة إليه (شتاينماير) شيء أساسي، بل مقدس، بغض النظر عما يحدث، كما لا يلعب الغزو العدواني، دوراً كبيراً ". ربما لم يحدث من قبل في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية أن انتقد سفير أجنبي رئيس الدولة بهذه الحدة.

سياسة برلين الخارجية كانت بمثابة "خداع كبير للذات"

لا يؤثر النقد على الأفراد فحسب، بل على السياسة الخارجية والأمنية والتجارية الألمانية بأكملها خلال الثلاثين عاماً الماضية. السفير الأوكراني في برلين، لخص الأمر بأنه كان "الكثير للغاية من الحوار والقليل للغاية من الحزم مع الكرملين".

تأكيداً على هذا التصريح، قال شتيفان بيرلنغ الباحث السياسي في جامعة ريغنسبورغ  الألمانية، لـ DW: "كل حكومة اتحادية منذ تولى بوتين منصبه أشارت إلى أن العلاقات الخالية من المشاكل مع موسكو هي أكثر أهمية بالنسبة إليها من مصير أوكرانيا. وهذا شجع الكرملين على العدوان ". في 24 مارس/ آذار، أدان بيرلينغ في مقال بمجلة "سيسرو/ Cicero"، سياسة ألمانيا الخارجية برمتها خلال السنوات الماضية ووصفها بأنها "خداع كبير للذات"، فتحت المظلة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، كانت ألمانيا "منغمسة في أوهام سلمية" وركزت على مصالحها التجارية.

الدمار في مدينة ماريوبول الأوكرانية
استهدفت الهجمات الروسية في ماريوبول المدنيين بشكل خاصصورة من: Privat

سياسة ساذجة تجاه بكين

يرى بيرلينغ هذا الإتجاه في السياسة مع الصين أيضا ويقول: "السعي وراء المزايا الاقتصادية والأفكار الساذجة حول القدرة على تحرير إمبراطورية من الخارج، تعرض المثل الديمقراطية مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير للخطر من أجل عدم إزعاج من هم في السلطة". وانتقد عدد من الحكومات الأوروبية وواشنطن سياسة ألمانيا تجاه روسيا والصين على مدى سنوات. لكن هذه السياسة بقيت ثابتة في برلين، حتى غزا الجيش الروسي أوكرانيا في الـ24 فبراير/ شباط.

شتاينماير يعترف بالخطأ

في بداية الحرب، تحدث المستشار الألماني، أولاف شولتس، عن "نقطة تحول في التاريخ". هل قصد بذلك تغييراً جذرياً في السياسة الخارجية أيضا؟ من جانبه، اعترف الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير بـ "سوء التقدير" علنًا هذا الأسبوع بعد انتقادات السفير الأوكراني ميلنيك، على سبيل المثال مشروع "نورد ستريم 2"، الذي كلف ألمانيا الكثير من مصداقيتها. لكن عندما تولى بوتين منصبه، لم يكن بإمكان المرء أن يعرف كيف سيتطور الأمر. غير أن هينينغ هوف، يعارض هذه النقطة، ويرى أن الطابع "الإجرامي القومي المفرط" لنظام بوتين كان واضحاً منذ حرب الشيشان  في عام 1999.

ويعد ألكسندر دوبرينت، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي، أحد السياسيين الألمان القلائل الذين ما زالوا يدافعون عن السياسة التقليدية القائمة على "التغيير من خلال التجارة". إذ كان من المفترض أن تؤمن السلام وتحقق ازدهاراً مشتركاً، لكن بوتين دمر ذلك، ويضيف دوبريندت بأنه "في ذلك الوقت، لم تكن تلك القرارات خاطئة بشكل أساسي".

المستشار الألماني السابق غيرهارد شورودر في موسكو عام 2018
المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر من داعمي العلاقات مع روسيا ويعتبر صديقا للرئيس الروسي فلاديمير بوتينصورة من: A. Druzhinin/TASS/dpa/picture-alliance

ميركل تتمسك بقرارها: أوكرانيا لا ينبغي أن تصبح عضوا في الناتو

كل ما يُعرف عن أنغيلا ميركل، التي لم يصدر منها تعليق بعد باستثناء بيان بعد الهجوم الروسي مباشرة، هو أنها لا تأسف لقرار عام 2008 بمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو. وقالت متحدثة باسم ميركل إنها "متمسكة بقراراتها فيما يتعلق بقمة الناتو للعام 2008 في بوخارست".غير أن هذا الموقف لا يزال يحظى بالإجماع داخل حلف الناتو نفسه، فالأغلبية في الحلف سعيدة للغاية لأنها غير ملزمة بتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، وذلك لأنهم لا يريدون الانجرار إلى حرب مع روسيا.

يرى خليفة ميركل، أولاف شولتس، الأمر على هذا النحو أيضاً. غير أن ما كان لا يمكن تصوره قبل بضعة أسابيع، هو أن الحكومة الألمانية بقيادة المستشار الاشتراكي ونائب المستشار من حزب الخضر،تدعم الجيش وتسليحه بشكل كبير وتزود بأوكرانيا بالأسلحة! إنه "كسر للتقاليد العريقة"، كما اعترف شولتس الأسبوع الماضي.

الجيش الألماني "أضحوكة"

بماذا ينصح خبيرا السياسة الخارجية، بيرلينغ وهوف، الحكومة الألمانية؟ ينصح شتيفان بيرلينغ بـ "إعادة تشكيل الجيش الألماني" ، وهو ما "يُنظر إليه على أنه أضحوكة" من قبل الأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء. ويرى أنه على الحكومة تطوير استراتيجية أمنية أوروبية ثم عالمية. ويفتقد في ألمانيا "الساسة الخبراء في القضايا الأمنية، مع استثناءات قليلة، ليس لدى أي حزب الكثير ليقدمه".

أما هينينغ هوف، فيرى أنه يجب أن يكون الهدف هو التخلص من الوقود الأحفوري بشكل أسرع. أما عسكريا، فيجب أن تصبح ألمانيا "لاعبا يمكنه أن يلعب دورًا في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي يتناسب مع ثقله الاقتصادي".

الرئيس الأوكراني زيلينسكي والمستشارة السابقة ميركل والرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الروسي بوتين في اجتماع لصيغة نورماندي في باريس 09.12.2019
سفير أوكرانيا في برلين يدعو لإحياء محادثات "صيغة نورمادي" بضم الولايات المتحدة إليها للتفاوض من منطلق قوة مع روسياصورة من: Alexei Nikolsky/TASS/picture alliance

الوساطة الألمانية لا تزال مطلوبة

رغم كل الانتقادات الشديدة للسياسة الألمانية حتى، فإن الدبلوماسية والوساطة الألمانية لا تزال مطلوبة. فالسفير الأوكراني في برلين، الذي طالب بأسلحة ألمانية ، دعا في الوقت نفسه دعا المستشار الألماني إلى لعب دور وساطة أكثر نشاطاً في النزاع الروسي الأوكراني. وقال ميلينك في مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء "نحن بحاجة إلى القيادة الشخصية لأولاف شولتس الآن" من أجل المفاوضات مع بوتين. سيكون ذلك بمثابة "اختبار حقيقي للسياسة الخارجية الألمانية الجديدة".

ويدعو ميلنيك إلى "صيغة نورماندي" أيضا، وهي محادثات بين ممثلي: فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا، والتي وضعتها إلى حد كبير ميركل. في إشارة إلى أن هذا النموذج لم يحن بعد: "ندعو المستشار شولتس إلى عقد قمة برلين نورماندي في أقرب وقت ممكن". غير أن التركيبة الحالية ليست كافية حسب رأيه، وقد تترك انطباعا بعدم الثقة في برلين، إذ "من الواضح أننا بحاجة إلى وجود الأمريكيين أيضا، من أجل التفاوض مع بوتين بصوت واحد ومن منطلق قوة".

كريستوفر هاسيلباخ / إ.م