1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تنامي العنصرية والكراهية خطر حقيقي على العراق

١٢ أبريل ٢٠١٢

يرى د. منذر الفضل أن المجتمعات الديمقراطية تهدف إلى خدمة الإنسان أولا في الوطن وتزرع وترسخ القيم الخيرة ومنع التطرف والتعصب، ولا يمنع ذلك من وجود تباين في برامج القوى السياسية التي تدير الحكم في بلد ما.

https://p.dw.com/p/14bzm
صورة من: AP

هذا - وبكل أسف- لم يحصل منذ سقوط النظام الدكتاتوري في العراق ، إذ يظهر للقارئ والمتابع للشأن السياسي العراقي ارتفاع وتيرة التعصب العنصري وانتشار الكراهية وارتفاع الدعوات للتطهير العرقي ضد الكورد قوميا وضد المسيحيين والصابئة المندائيين والايزيدية دينيا وضد السنة مذهبيا وبروز ظاهرة التفرد في السلطة وإدارة الدولة والابتعاد عن القيم النبيلة مما يشكل انحدارا شديدا نحو الهاوية بسبب الابتعاد عن أسس الديمقراطية المعروفة وعن مبادئ التسامح والحوار وحق الاختلاف والتعايش الذي يجب أن يسود بين المواطنين مهما كانت قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم .

ولا شك أن المسؤولية الدستورية والأخلاقية والوطنية الأولى تقع على الرئاسات الثلاث ، مجلس الرئاسة و مجلس الوزراء و مجلس النواب فضلا عن دور منظمات المجتمع المدني والمثقفين ووسائل الإعلام بكل صنوفها لوقف هذا التدهور ومحاسبة أي شخص أو طرف يخالف نصوص الدستور والقوانين العراقية ويخرق الثوابت الأساسية في المجتمع .

فوجئنا بمؤتمر صحفي نقلته مختلف وسائل الإعلام العراقية لما يسمى ب (تحالف أبناء العراق الغيارى ! ) وما هم بغيارى ! والذي تضمن تصريحات عنصرية خطيرة تدخل ضمن جرائم التطهير العرقي ( Crimes of ethnic cleansing) وهي جرائم دولية تعاقب عليها قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والقوانين الوضعية الوطنية وقد ارتكبتها النازية في الحرب العالمية الثانية ، وارتكبت أيضا في عدد من الحروب التي وقعت في مناطق متعددة في أوربا ( حرب يوغسلافيا السابقة بين الصرب والكروات والبوسنة عام 1994 ) وفي رواندا بأفريقيا وفي كوردستان العراق وغيرها من المناطق في العالم .

عودة إلى سياسة التمييز ضد الكرد

ليس من الغريب أن تظهر في مثل هذه الظروف التي يمر بها العراق مجموعة متطرفة من العرب لتطالب بمعاقبة أبناء الشعب الكوردي الساكنين خارج إقليم كردستان وإنذارهم بالطرد خلال أسبوع من بغداد وغيرها من مدن وسط وجنوب العراق ، فكل شيء أصبح ممكنا في بلد العجائب ! ولكن الغريب أن هؤلاء العنصريين هم أعضاء في مجلس النواب العراقي ومسجلون رسميا ككتلة سياسية لدى المفوضية العراقية المستقلة للانتخابات وأطلقوا دعوتهم هذه بكل وقاحة من خلال مؤتمر صحفي يوم 4-4-2012 ، وذلك كله في ظل صمت واضح ومريب من الحكومة العراقية .

ويبدو أيضا أن الادعاء العام والحكومة قد اغفلوا الاطلاع على نصوص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ( المادة 200 - فقرة 2 ) و( المواد 47- 59 المتعلقة بالمساهمة في الجريمة ).

في حين نجد في المقابل أن إقليم كردستان قد احتضن مئات الآلاف من العوائل العربية من وسط وجنوب العراق التي وجدت لها ملاذا آمنا ومستقرا هناك واغلبهم قد تملكوا العقارات ويمارسون أعمالهم بحرية وأمان . كما أن الشعب الكردي يذكر دائما بأن من ارتكب جرائم الإبادة والأنفال وحلبجة ضده هو النظام الدكتاتوري البائد وليس الشعب العربي في العراق ، مما جعل من التسامح والتعايش بين القوميات وأتباع الديانات والمذاهب يشكل نموذجا جيدا في كردستان لا يمكن إغفاله ، بعكس بغداد والمناطق الأخرى من العراق .

تحريض على الإبادة والتطهير العرقي

لقد صادق العراق على اتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس والمعاقبة عليها لسنة 1948 كما أن جريمة التطهير العرقي سالفة الذكر تدخل ضمن مفهوم جريمة الإبادة الجماعية لأن مفهوم هذه الجريمة تتحقق من خلال قتل أعضاء الجماعة أو إلحاق الأذى الجسدي أو الروحي الخطير بالأعضاء وغيرها من الأساليب وفقا لما نصت عليها المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة . وقد نصت المادة الثالثة منها على معاقبة كل من يرتكب أو يحرض على جريمة الإبادة مهما كانت صفة أو وظيفة هذا الشخص المتورط بها ، كما أن هذه الجرائم لا تسقط بمرور الزمان وفقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لعام 1968 التي صارت نافذة في 26 نوفمبر 1970 ولا يجوز العفو فيها مما توجب تنفيذ العقاب لأنها جرائم خطيرة .

إن هناك فرقا كبيرا بين المهاترات والتراشق الصحفي وتباين وجهات النظر السياسية في مواقف معينة ، وبين تصريحات تشكل جرائم خطيرة مثل تصريح المدعو المحمداوي وجماعته الذي يدعي تشكيل فوج بدر 9 لملاحقة (جميع الأكراد في بغداد والمناطق ذات القومية العربية بعد انتهاء مهلة أمدها أسبوعا لغرض المغادرة إلى إقليم كردستان ).

"نائب يوقظ الفتنة منتهكا قسمه الدستوري"

إن مجرد الظهور الإعلامي والتصريح لوسائل الإعلام بمثل هذا النهج العنصري والمحرض على الفتنة ومن شخص يشغل منصب عضو مجلس النواب يجب ان يؤخذ على محمل الجد لاسيما وان الشخص المذكور قد انتهك القسم الدستوري الذي قام بتأديته في مجلس النواب والمنصوص عليه في المادة 50 من الدستور العراقي .

من هنا ندعو المدعي العام وبالتعاون مع الادعاء العام في إقليم كردستان بتحريك الدعوى ضد هؤلاء الأشخاص وضد بعض المواقع الالكترونية المحرضة على الكراهية والعنصرية وعلى كل من يسلك مثل هذا السلوك الإجرامي الخطير وإلا ما جدوى وجود الدستور والقوانين في البلاد.

ومن الأمور المقلقة الأخرى التي تتسم بالخطورة الكبيرة هو الاتجاه نحو تسيس القضاء العراقي الذي يفترض ان يكون نزيها ومحايدا وقويا في مواقفه وشجاعا في أحكامه . فقد لاحظنا وجود محاولات للتدخل والتأثير على القضاء العراقي في قضايا متعددة ومنها قضية الشخص المتهم بجرائم إرهابية وإرسال الإرهابيين من سوريا للعراق وجرائم الغش وسرقة المال العام المدعو ( مشعان الجبوري ) الذي اسقط احد القضاة المختصين التهم عنه خلال دقائق معدودة وبدعم من احد أعضاء مجلس النواب العراقي ، بينما ما تزال صورة المتهم المذكور منشورة على موقع الشرطة الدولية كمطلوب للعدالة .

هل معايير القضاء مزدوجة؟

لذلك يجب على مجلس القضاء الأعلى الكشف عن ملابسات هذا الموضوع الخطير الذي يدعونا للتشكيك بنزاهة القاضي الذي عرضت عليه قضية هذا المتهم ، وإذا صحت هذه الواقعة فهذا يعني وجود معايير مزدوجة بين هذه القضية وقضية المتهم طارق الهاشمي وفقا للتساؤلات التي تطرح في الرأي العام أمام صمت مجلس القضاء الأعلى والحكومة الاتحادية .

إن الحكمة والمصلحة العليا للبلاد توجب على الحكومة العراقية تحمل مسؤولياتها الدستورية والقانونية ، وعلى جميع العقلاء من السياسيين والنواب والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المختلفة العمل على وقف تدهور العملية الديمقراطية ومعالجة مظاهر الفساد المالي والإداري والأخلاقي والظواهر الغريبة التي ظهرت في المجتمع والتي صارت تهدد أمنه في الصميم ، وكذلك العمل بجدية لوأد هذه الفتنة الخطيرة ووقف المهاترات الإعلامية التي تؤلب وتشحن الرأي العام وتثير الأحقاد والتطرف والتعصب وتؤدي إلى خلق المناخ الخصب لارتكاب الجرائم الإرهابية والتصيد بالماء العكر .

إن مشكلات العراق لا تحل بالسلاح والتهديد بالتطهير العرقي وإنما بالحوار وبالطرق السلمية وفي مؤسسات الدولة ومنها مجلس النواب وبالرجوع إلى أحكام الدستور.

منذر الفضل

مراجعة ملهم الملائكة