1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحقيق DW: اتجار بالبشر في معسكرات احتيال سيبراني في آسيا

يوليا باير | لويس ساندرس | جولييت بيندا | يوتشن لي
٣ فبراير ٢٠٢٤

يتم اصطياد الآلاف من الباحثين عن عمل وإغرائهم بالسفر إلى ميانمار. وهناك يجبرون على الاحتيال على الناس في أنحاء العالم عبر الإنترنت. فريق التحقيق الاستقصائي التابع لـ DW تمكن من كشف عمليات الاحتيال ومن يقف وراءها.

https://p.dw.com/p/4bq8e
كي كي بارك في ميانمار
"كي كي بارك" هو مصنع احتيال عبر الإنترنت في ميانمار. يعيش ويعمل هنا آلاف الأشخاص، معظمهم من أفريقيا وآسيا، ومعظمهم يعمل تحت التهديد بالتعذيب. صورة من: Stefan Czimmek/DW

يجب أن تتم العملية بنجاح وبسرعة: ينتظر مجموعة من الناس على جانب الطريق. وفي أي لحظة يمكن أن يظهر أحد حراسهم. بسرعة يأتي عامل التنمية جوداه تانا بسيارة جيب ويقفز المنتظرون إلى داخلها. "أخيراً، نجحنا بالهرب،" يتنهد لوكاس بارتياح وهو يستلقي منهكاً على المقعد الخلفي. لوكاس، وهو رجل قوي البنية من غرب أفريقيا، ورفاقه كانوا محتجزين لمدة اثني عشر شهراً من قبل تجار بشر في معمل للاحتيال عبر الإنترنت في ميانمار.

هنا في جنوب شرق آسيا، يتم اختطاف آلاف الأشخاص ونقلهم إلى مواقع سرية مثل هذه حيث يجبرون على ممارسة النصب والاحتيال عبر الانترنت من أجل سرقة أموال أشخاص سُذَّج في أوروبا والولايات المتحدة والصين. وصحيح أنهم يحتالون على الناس، لكنهم هم بدورهم ضحايا للجريمة المنظمة.

فريق التحقيق في DW تحدث مع شهود، وقام بتقييم صور، وتحليل وثائق لتوثيق النظام المتطور للاحتيال والاتجار بالبشر والجرائم السيبرانية.

طرق ملتوية

يتحدر آرون، الذي يجلس الآن بجوار لوكاس في السيارة، من جنوب أفريقيا. وبعد وقت قصير من إكمال دراسته، تم تعيينه من قبل شركة لتكنولوجيا المعلومات مقرها في تايلاند. "كنت أحلم دائماً بالعمل في الخارج"، يقول الشاب وهو يضطر للتوقف لأخذ النفس بعد عملية الفرار المرهقة.

أرسل له صاحب العمل المزعوم تذكرة طائرة إلى بانكوك واستقبله في المطار. "لقد أخذني ورجلين آخرين إلى سيارة. وكان من المفترض أن تنتهي الرحلة في فندق". لكنه السيارة لم تتوقف إلا في شمال البلاد على نهر موي الحدودي بين تايلاند وميانمار، وبمجرد وصولهم، عبروا على متن قارب إلى منطقة محاطة بأسوار عالية وأسلاك شائكة على الجانب الآخر: مقر شركة الاحتيال "كي كي بارك" (KK Park).

صورة بالقمر الصناعي ل"كي كي بارك"، تم التقاطها بتاريخ 17 يناير/ كانون الثاني 2024
صورة بالقمر الصناعي ل"كي كي بارك"، تم التقاطها بتاريخ 17 يناير/ كانون الثاني 2024صورة من: Maxar Technologies provided by European Space Imaging

موقع سيئ السمعة في ميانمار

يقع "كي كي بارك" في جنوب شرق ميانمار في ولاية كارين، وهي منطقة في ميانمار، حيث يقاتل ثوار شعب كارين من أجل الاستقلال منذ عقود.

توفر منطقة الصراع تلك تربة خصبة للأنشطة الإجرامية. ويعتبر "كي كي بارك" مجرد واحد من بين ما لا يقل عن 10 معامل للاحتيال في المنطقة. وما يحدث خلف جدرانها يظل مخفياً في كثير من الأحيان. وتظهر صور الأقمار الصناعية أن أول المباني في "كي كي بارك" تم بناؤه في عام 2020. ومنذ ذلك الحين، نمى زاد عدد المباني هناك أربعة أضعاف.

لقد شاهدنا لقطات حية وصوراً حصرية من داخل الموقع وتحدثنا إلى العديد من الضحايا المحتجزين هناك.

يعيش ويعمل آلاف الأشخاص في "كي كي بارك"، معظمهم من آسيا وأفريقيا. ويحرس جنود مسلحون المداخل. هناك كاميرات مراقبة في كل مكان. يبدو أن قوات حرس الحدود التابعة للجيش البورميي يحرسون الموقع.

الاحتيال والتزوير باستخدام تقنية التشفير

تعذيب جسدي ونفسي

بمجرد وصولهم إلى البارك، تم إعطاء آرون ولوكاس والآخرين تعليمات حول كيفية خداع الأشخاص عبر الإنترنت. وتشرح كتيبات صغيرة بالتفصيل كيفية بناء الثقة واستغلال نقاط ضعف الضحايا. على سبيل المثال: "كن مضحكا". يجب على العملاء أن يقعوا في حبك لدرجة تنسيهم كل شيء.

كان يتم تحديد أهداف أسبوعية لآرون والآخرين: على سبيل المثال مبلغ معين من المال عليهم جلبه أو عدد من العملاء الجدد عليهم الاتصال بهم. وإذا لم يحققوا الأهداف تجري معاقبتهم. ويقول لوكاس: "إذا لم تكسب عميلاً جديداً في الظهيرة، فلن يكون هناك غداء. وإذا رأى شخص ما أنك لم ترد على أحد العملاء، فستتعرض للضرب أو تضطر إلى الوقوف لساعات. كان يتحتم علينا العمل لمدة 17 ساعة يومياً بلا شكوى أو إجازة، أو راحة". وتؤكد لقطات الأفلام وتقارير السجناء السابقين الآخرين التعذيب النفسي والجسدي المنهجي.

يتم جلب الضحايا إلى هنا من جميع أنحاء العالم. لكن السيطرة على الموقع هي للأشخاص الذين يتحدثون لغة الماندرين (اللغة المعيارية في الصين). وهو ما أكدته لنا عدة مصادر بالإجماع. ويقوم المشرفون بالمراقبة عنطريق شاشات الكاميرات وتفتيش الغرف بانتظام.

"تسمين الخنازير قبل ذبحها"

يتعين على المعتقلين في "كي كي بارك" إقناع "العملاء" الضحايا باستثمار الأموال في العملات المشفرة. ويعتقد ضحايا الاحتيال أنهم يستثمرون مدخراتهم في استثمار مربح، ولكن بدلاً من ذلك تذهب أموالهم إلى حساب يتحكم فيه المحتالون. وبمجرد وصول مبالغ مالية كافية إلى الحساب، يتم إفراغه تماماً وتختفي الأموال، ويسمى هذا النوع من الاحتيال عبر الإنترنت "ذبح الخنازير"، بالإنجليزية "Pig-Butchering". فالمحتال يقوم بتسمين الضحية ومن ثم يسوقه إلى المسلخ لذبحه.

ويقدر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن الاحتيال عبر الإنترنت في جنوب شرق آسيا يدر أموالاً أكثر من تجارة المخدرات هناك. ويجني "كي كي بارك" وحده عدة ملايين في الشهر.

وان كوك كوي - الصين 1999.
وان كوك كوي، المعروف أيضًا باسم "الأسنان المكسورة"، يتزعم أحد عصابات المافيا الصينية.صورة من: AFP/dpa/picture-alliance

المافيا الصينية

تمكن فريق التحقيق في DW من تعقب أموال أحد ضحايا الاحتيال. ومن خلال عدة تحويلات، انتهى الأمر بالأموال في "محفظة" رجل أعمال صيني. و"محفظة" (Wallet) هو الاسم الذي يطلق على الحسابات الرقمية في عالم العملات المشفرة. ومن هنا يقود المسار إلى إحدى شبكات المافيا الصينية. وانغ يي تشينغ، هو اسم رجل الأعمال، الذي كان في وقت التحويلات نائب رئيس جمعية التجارة الصينية-التايلاندية. وهي تشترك في مبنى مع مركز ثقافي صيني يعتمد على "الهونغمن"، وهي جمعية سرية من عصر الإمبراطورية الصينية. واليوم، ترتبط العديد من جمعيات الهونغمن هذه ارتباطًا وثيقًا بالمافيا الصينية. وأبرز شخصياتها هو: وان كوك كوي، المعروف باسم "الأسنان المكسورة". وان هو زعيم مافيا سيء السمعة. ويتردد اسمه كثيراً في عالم الجريمة المنظمة في الصين.

الهروب بنجاح من معمل الاحتيال

جاءت فرصة لوكاس للهروب عندما قرر زعماء المافيا بيعه. فبعد حرمان لوكاس وآخرين من أجورهم رفضوا مواصلة العمل. فتلقوا تعليمات بحزم أمتعتهم. ويتذكر لوكاس قائلاً: "سمعتهم يقولون إنهم سيبيعوننا إلى منظمة أخرى"، وكان رد فعل لوكاس وزملائه سريعاً؛ فقد تمكنوا من الاتصال بجوداه تانا، المعروف في المنطقة الحدودية كمهرب. وهكذا انتهى الأمر بآرون ولوكاس في المقعد الخلفي لسيارته الجيب، وانتهى الكابوس بالنسبة لهما، وبعد أسابيع قليلة تمكنا من العودة إلى وطنيهما.

قامت هيئة التحرير بتغيير أسماء الضحايا في هذا التحقيق.

أعده للعربية: صلاح شرارة