1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل تقبل الدول العربية بتحمل مسؤولية غزة بعد نهاية حكم حماس؟

كيرستن كنيب
٢٣ نوفمبر ٢٠٢٣

بالنسبة للمستقبل السياسي لقطاع غزة بعد انتهاء محتمل لسيطرة حماس عليه، فإن الدول العربية تتعامل معه حتى الآن بتحفظ، بل وحتى الرفض. فما سبب هذا التحفظ العربي؟

https://p.dw.com/p/4ZHji
الدمار في قطاع غزة 20.11.2023
لأسباب عديدة منها لا تريد الدول العربية تولي المسؤولية السياسية عن قطاع مستقبلاصورة من: Leo Correa/AP Photo/picture alliance

أدلى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بتصريح شديد اللهجة، بوصفه الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة حماس في قطاع غزة "عدوان سافر" على المدنيين الفلسطينيين وإنها تهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط برمته. وقال الصفدي: إن إسرائيل بمنعها تسليم الغذاء والدواء والوقود ترتكب "جرائم حرب". ويعتبر الأردن مواليا للغرب في منطقة الشرق الأوسط، ويقيم علاقات رسمية مع إسرائيل منذ منتصف التسعينيات، رغم أنها فاترة سياسيا إلى حد ما.

ولم يدع الوزير الأردني أدنى شك في أن العلاقة حاليا أسوأ من المعتاد. وقال الصفدي خلال مشاركته في الدروة الـ19 لمنتدى حوار المنامة الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين: "علينا جميعا أن نشير بصوت عال وواضح إلى الكارثة التي تعنيها الحرب الإسرائيلية ليس فقط لقطاع غزة، بل للمنطقة بأكملها".

معاناة الفلسطينيين

توضح كلمات الصفدي أنه، حتى الدول العربية التي اعترفت بإسرائيل دبلوماسيا، تنأى بنفسها حاليا عن الرد العسكري الإسرائيلي على الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وحاليا ليس هناك أي أهمية لتصنيف حماس كمنظمة إرهابية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فالأهم من ذلك هو التضامن الذي يبديه المواطنون في الدول العربية مع الفلسطينيين في قطاع غزة، خاصة في ضوء العدد المرتفع والمتزايد للقتلى هناك منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية.

والدول العربية ليست مستعدة حتى الآن للمشاركة في تأسيس إدارة سياسية جديدة في غزة بعد انتهاء الحرب في القطاع، وهو ما لا يمكن التنبؤ به بعد. وشدد الصفدي على أن الدول العربية ليست مستعدة للسماح لإسرائيل بالتصرف على طريقتها ومن ثم إنهاء "الفوضى" التي تسببها فيما بعد. كما أدلى ممثلو دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بتصريحات مماثلة.

لا يمكن السماح بأن ينظر الفلسطينيون "إلينا على أننا أعداء" لهم

ويعود هذا التردد العربي إلى أسباب سياسية. فهناك مسألة الأمن وما إذا كانت إسرائيل ستنجح حقا في سحق حماس. الصفدي لا يعتقد ذلك، إذ نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) قوله "ببساطة لا أفهم كيف يمكن تحقيق هذا الهدف"، وأضاف في المنامة أن "حماس فكرة"، فكرة لا يمكن تدميرها بالقنابل.

يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

إن تحمل المسؤولية السياسية أو حتى العسكرية في قطاع غزة المستقبلي، حيث يمكن أن تستمر الهياكل أو على الأقل التعاطف الشعبي مع حماس، من شأنه أن يضع الأردن في وضع حرج للغاية، بما في ذلك الاتهام المحتمل والخطير بـ "التواطؤ". لهذا لا يرى الصفدي أن المستقبل السياسي لقطاع غزة مسؤولية الأردن أو الدول العربية الأخرى، وأوضح ذلك قائلا "بعد مناقشة هذه القضية مع كثر ومع جميع إخواننا العرب تقريبا، لن تتجه قوات عربية إلى غزة"، وأضاف بأنه لا يمكن السماح بأن ينظر الفلسطينيون "إلينا على أننا أعداء" لهم.

موقف متناقض

يقول الباحث السياسي بجامعة هيلموت شميدت الألمانية في هامبورغ، نيكولاس فروم: ربما ليس من قبيل المصادفة أن يكون وزير الخارجية الأردني واضحا بشكل خاص في تحفظاته، وأوضح بأن "لدى الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل منذ فترة طويلة. يعمل البلدان معا منذ عقود. ولهذا تعرضت المملكة ولا تزال لانتقادات في أجزاء من العالم العربي".

ومن المرجح أن يكون موقف دول عربية أخرى وخاصة الخليجية، في وضع مماثل. بعضها، مثل الإمارات والبحرين، أبرمت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل قبل بضع سنوات فقط. وحافظت دول أخرى، مثل السعودية على علاقات جيدة مع إسرائيل حتى وقت قريب، على الأقل بشكل غير رسمي. هذه الدول أيضا قد تجد نفسها الآن في وضع حرج، حيث أن جزء من السكان يرفض هذه السياسة. ويقول مدير معهد (غيغا) لدراسات الشرق الأوسط في هامبورغ، إيكارت فورتس، إن "القضية الفلسطينية لا تزال تلعب دورا كبيرا في العالم العربي ولديها إمكانية كبيرة جدا للتعبئة العاطفية والسياسية". ولا يمكن للحكام تجاهل المزاج العام بين السكان.

ومع ذلك، من المرجح أن يكون في الحقيقة لبعض دول الخليج على الأقل موقف متناقض إلى حد ما تجاه الحرب في غزة، كما يقول فورتس "بعض الدول (العربية) لها علاقة حرجة جدا مع حماس. فهي فرع من جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر منظمة إرهابية في مصر والسعودية والإمارات". وهكذا، قد تكون حكومات هذه الدول راضية سرا عن تحييد حماس في قطاع غزة أو على الأقل الحد من قدراتها. لكن في الوقت نفسه، يرى المرء في العواصم العربية معاناة السكان المدنيين، وفقا للخبير الألماني فورتس.

الإحجام المالي

التحدي الكبير الآخر بعد انتهاء الحرب والذي كان موجودا حتى قبل الحرب، هو النهوض الاقتصادي بقطاع غزة الفقير، الذي لم يستطع تحقيق ذلك بنفسه اعتمادا على قواه الذاتية في ظل الحصار المفروض عليه من مصر وإسرائيل منذ سنوات. "لكن لا أحد، لا إسرائيل ولا أمريكا ولا الدول العربية أو القيادة الفلسطينية تريد تحمل مسؤولية ذلك"، حسب ما خلصت إليه مجلة "إيكونوميست" البريطانية في منتدى حوار المنامة.

فحتى قبلالحرب سئمت دول الخليج الغنية من "دبلوماسية دفتر الشيكات"، وفق تحليل المجلة. لذا يمكن لهذه الدول أن تتردد في تمويل إعادة البناء لاحقا، "فقد أعادت بناء قطاع غزة مرات عديدة من قبل"، حسب ما نقلته المجلة عن دبلوماسي غربي لم تكشف هويته، والذي أضاف بأنه إذا لم تكن إعادة بناء قطاع غزة "جزءا من عملية سلام جادة، فإنها (الدول الخليجية) لن تدفع".

وإن حلا سياسيا دائما، وبالتحديد "حل الدولتين"، يراه خبير شؤون الشرق الأوسط فورتس أيضا، حدا أدنى لانخراط عربي في إعادة بناء قطاع غزة مستقبلا، ويقول "لا يمكن إعادة البناء كل بضع سنوات، ثم يتم التدمير مرة أخرى. وربما يرى المرء في الاتحاد الأوروبي ودول الخليج الأمر نفسه". وبشكل عام أظهرت دول الخليج خلال العقد والنصف الماضي ترددها وأنها أكثر تحفظا ماليا، حسب الباحث السياسي فروم. وتراجع الاستعداد للإنفاق المالي في تلك الدول يعود بشكل عام إلى أسباب اقتصادية. "سابقا، تم التغاضي عن العقلانية الاقتصادية إلى حد ما. لكن في الأثناء أصبح السكان أكثر وعيا بالتكاليف. ويدعو الكثير من المواطنين الآن إلى المزيد من التحفظ".

سفينة الشحن غلاكسي التي اختفطفها الحوثيون
اختطف الحوثيون شفينة الشحن غلاكسي في البحر الأحمر بزعم أن لها صلات بإسرائيل صورة من: Owen Foley/REUTERS

القلق من توسع رقعة الصراع

كما أن النخبة السياسية في دول الخليج حريصة على إبقاء الصراع خارج منطقتها قدر الإمكان، وفقا لتحليل نشره موقع "المونيتور" الكتروني المختص بشؤون الشرق الأوسط. وهم يراهنون على أن الحرب ستنتهي في مرحلة ما، وفقا للتحليل.

لكن ليس من المضمون ألا يحدث ذلك، فحزب الله في لبنان والمتمردون الحوثيون في اليمن، وكلاهما وكلاء إيران، يمكنهما كما إيران نفسها أن تؤجج الصراع أكثر، كذلك الميليشيات المؤيدة لإيران في العراق. فقبل عدة أيام اختطف الحوثيون سفينة شحن في البحر الأحمر يدعون أن لها صلات بإسرائيل. فعمل مثل هذا يمكن أن يؤدي إلى التصعيد بسرعة.

من ناحية أخرى يمكن أن يكون خطر توسع الصراع دافعا لبعض الدول العربية لتنخرط هي نفسها أكثر في عملية إيجاد حل من أجل أمنها هي. هذا ما يراه خبير شؤون الشرق الأوسط، نيكولاس فروم أيضا: كيفما كان الحل السياسي، يجب أن يركز على منح الفلسطينيين أفقا مستقبليا مناسبا، "فإذا لم يتحقق هذا، سيبقى هناك إحباط وغضب وعنف".

أعده للعربية: عارف جابو