1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"النظام يوظف الثورة لإلهاء الجزائريين عن القضايا الرئيسية"

٥ يوليو ٢٠١٢

في مثل هذه الأيام قبل خمسين عاما حصلت الجزائر على استقلالها في الخامس من تموز/ يوليو 1962. في حوار مع DW يرى مصطفى بوشتاتي الناشط الحقوقي الجزائري أن حصيلة خمسة عقود من الاستقلال مخيبة لآمال الشعب الجزائري.

https://p.dw.com/p/15Nnz
Supporters of Algeria's National Liberation Front (FLN) attend an electoral meeting, at the sport indoor hall in Algiers, 14 May 2007. The last day of the official campaign for parliamentary elections in Algeri. Nearly 19 million citizens are registered to vote. EPA/MOHAMED MESSARA +++(c) dpa - Bildfunk+++
صورة من: picture-alliance/dpa

تحتفل الجزائر في الخامس من تموز/يوليو 2012 بالذكرى الخمسين لاستقلالها، استقلال نالته بالسلاح بعد حرب تحرير استمرت سبع سنوات ونصف السنة، وبعد مواجهات دامية مع القوة الاستعمارية الفرنسية. ويحاول المؤرخون في البلدين التوثيق لوقائع هذه الحقبة الاستعمارية المثيرة للجدل، إلا أن عملهم يواجه صعوبات خاصة أن الأرشيف الفرنسي حول حرب الجزائر لم ينشر كله. كما أن المناهج الدراسية في الجزائر تؤكد أن "مليون ونصف مليون من الجزائريين استشهدوا في حرب التحرير الوطنية"، فيما يتحدث المؤرخون الفرنسيون عن 400 ألف قتيل معظمهم جزائريون.

على المستوى السياسي والحقوقي تبدو حصيلة العقود الخمسة الأخيرة ضئيلة بالمقارنة مع الإشعاع العالمي الذي ميز الثورة الجزائرية كما يرى مصطفى بوشاشي، الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في الحوار التالي مع DW.

DWماذا حققت الثورة، وبعدها الاستقلال للجزائريين، خصوصا وأن أصواتا كثيرة تقول بأن الاستقلال لا يزال ناقصا ولم يحقق كل أهدافه؟

مصطفى بوشاشي:الثورة الجزائرية كانت عظيمة، والثمن الذي دفعته الجزائر كان كبيرا وفاق مليون ونصف من الشهداء. كان الكل يتوقع مستقبلا في مستوى هذه التضحيات، ولكن مع الأسف الشديد وبعد خمسين سنة من الاستقلال، الملاحظ داخليا وخارجيا، هو أننا قمنا بتحرير الأرض ولكن لم نحرر الإنسان. عندما خرج الاستعمار الفرنسي قام الإخوة الذين قادوا الثورة بالاستيلاء على الحكم ونصبوا أنفسهم أولياء على الشعب الجزائري، وتم تغييب الديمقراطية وسيادة القانون. والنتيجة هو أن استقلالنا استقلال منقوص. إن حصيلة الخمسين سنة هو أننا لم نحقق أشياء كبيرة في مستوى ثورة عظيمة.

هناك من يتهم النظام الجزائري في المبالغة في توظيف حرب التحرير من أجل ترسيخ "شرعية مفقودة"، إلى أي حد تتفق مع هذا الرأي؟

طبعا، لأن الثورة كانت عظيمة، والإخوة الذين سيروا أمور البلاد هم ناقصو الشرعية، ولم يتمكنوا من تسيير جيد لثروات الوطن. ونظرا لضعف شرعيتهم يلجؤون للاختباء وراء الشرعية الثورية التي سادت خلال العقدين الأولين. وبعدها قام الجزائريون بالنضال من أجل التعددية السياسية، ونظمت انتخابات عامة، فقام نفس الأخوة بإلغاء هذه الانتخابات بدعوى أن الشعب لم يكن مستعدا للديمقراطية، معتمدين في ذلك على "الشرعية الثورية"، مع أن الجزائريين لا يريدون أن نعيش دائما على حنين هذه الشرعية. وهم كشعوب المنطقة تواقون إلى تعددية حقيقية، وسيادة القانون وهي أمور لا تزال غائبة بعد خمسين عاما من الاستقلال.

كيف تفسر استمرار الجدل طوال هذه العقود بين الجزائر وفرنسا حول الحقبة الاستعمارية، أو ما بات يعرف ب"حرب الذاكرة" بين البلدين؟

الفرنسيون أيضا متعنتون، بل وذهبوا إلى حد اقتراح قانون يبجل الاستعمار، فيما يعتبر الجزائريون الاستعمار جريمة، وينتظرون من فرنسا الاعتذار عما جرى في تلك الحقبة من تقتيل وتعذيب جماعي. ثم إن الاستعمار الفرنسي كان من أقبح أنواع الاستعمار، ففرنسا حينما احتلت الجزائر لم تفكر أبدا بأنها ستضطر في يوم من الأيام إلى مغادرة الجزائر. هذا الإحساس العميق لديهم بأن الأرض أرضهم، جعلهم يرتكبون مجازر لم تعرفه ربما أية دولة أخرى في المنطقة. ومع ذلك يرفضون الاعتراف بأن ما وقع هو جريمة.

Main title: Algerian lawyers against their clients and justice Photo title: Mustapha Bouchachi,Lawyer Place and date: Algiers, Algeria, March,31 , 2012. Copy right/photographer: Toufik Bougaada
مصطفى بوشاشي الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسانصورة من: DW

إن النظام الجزائري يحاول من جهته توظيف هذا، لإلهاء الجزائريين، وإعطاء صورة بأنها حكومة وطنية غيورة على تاريخ الجزائر، تسعى لانتزاع اعتذار من الدولة الفرنسية، كما فعلت ايطاليا اتجاه ليبيا مثلا، رغم أن الاستعمار الإيطالي في ليبيا لم يكن ببشاعة الاستعمار الفرنسي في الجزائر. إنها كلمة حق لكن النظام يريد بها باطلا. أعتقد أنه يتعين على الدولتين فتح صفحة جديدة بالتوجه نحو المستقبل، وهو ما يقتضي من الفرنسيين خصوصا الاشتراكيين الذين صعدوا إلى الحكم حاليا، الاعتراف بأن ما قامت به فرنسا في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية هو جريمة.

تبدو الجزائر وكأنها غير معنية بالربيع العربي، كيف تفسر ما يسمى بالاستثناء الجزائري، وما هي أسباب ما يبدو وكأنه مناعة ضد رياح التغيير؟

يجب العودة إلى الوراء قليلا، فبخلاف دول المنطقة، فالجزائر عرفت نوعا من الربيع قبل 24 عاما، ففي الخامس من أكتوبر 1988، خرج آلاف الجزائريين إلى الشوارع، وقتل أكثر من 500 جزائري بمناسبة المظاهرات سلمية. وهو ما فرض على النظام التحول إلى تعددية سياسية بعد سيادة نظام الحزب الواحد. وشهدت البلاد فعلا بين 1989 و1999 ربيعا ديمقراطيا. وبالتالي فإن الربيع الجزائري سبق الربيع العربي، ولكن المنطقة لم تكن مهيأة. كما أن العالم الغربي لم يكن في أجندته الأخذ بيد الديمقراطية الجزائرية.

 لقد قام النظام الجزائري بإلغاء نتائج الانتخابات العامة عام 1992 بمباركة من الغرب، والنتيجة كانت 200 ألف قتيل وعشرات الآلاف من المفقودين والمرحلين، في حرب لا يمنكن وصفها إلا بالحرب الأهلية. إذا جٌرب الربيع الجزائري وانتهى بالدماء والدموع، ولم يلتفت الغرب إلى ذلك الربيع.

إن الجزائريين تواقون إلى التغيير وإلى ديمقراطية حقيقية، ولكن ما حدث في التسعينات لا يزال حاضرا في ذاكرتهم الجماعية. وهناك خوف من أن يكرر أي عنف ما حدث في التسعينات. إنه خوف يوظفه النظام الجزائري كوسيلة لقمع الحقوق والحريات وللقول، "لقد جربتم ربيعا في الجزائر والنتيجة كانت 200 ألف قتيل". الجزائر ليست استثناء وإنما وضعها هو نتيجة تلك الحقبة وآلامها، هناك رغبة لدى الجزائريين للتغيير ولكن بأجندة جزائرية، بمعنى التغيير بالنضال السلمي للوصول إلى ديمقراطية حقيقية.

هناك صعوبة أخرى ترتبط بطبيعة النظام الجزائري الذي هو شمولي، لكنه على خلاف الأنظمة العربية الأخرى فهو يتميز بتعدد مراكز القرار، هل هي المؤسسة العسكرية أم الأمنية أم الرئاسية، وهو ما يجعل من الصعب تحديد من المسؤول عن الانسداد السياسي صعبة وهو مخالف لما كان عليه الأمر في النظام السابق تحت بن علي أو في مصر تحت مبارك.

باعتبارك رئيسا سابقا للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ما هي حصيلة ملف حقوق الإنسان خمسون عاما بعد الاستقلال؟

الحصيلة تعيسة جدا، النظام الجزائري الاشتراكي كان نظاما أحاديا إلى حدود التسعينات، وقائما على الحزب الواحد والفكر الواحد. نظام منع تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات، وقمع الحقوق المدنية والسياسية التي كانت مفقودة تقريبا، طبعا عوضت نسبيا بحقوق اجتماعية واقتصادية في نظام اشتراكي ناشئ. بعد ذلك، في التسعينات، كانت هناك عشرات الآلاف من المفقودين، وكان التعذيب يمارس بشكل منهجي وتلقائي في القضايا ذات الطابع السياسي. فساد تقييد لحرية الإعلام والتجمع السلمي. وإلى اليوم أي مسيرة سلمية ممنوعة في العاصمة في الجزائر وحتى في باقي الولايات.

إذا أقول، بعد 24 سنة من التحول إلى التعددية السياسية، الجزائر في تراجع في مجال الحقوق والحريات مع الأسف الشديد.

أجرى الحوار: حسن زنيند

مراجعة: طارق أنكاي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد