1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الجزائر: عندما يغامر مراهقون بحياتهم وحياة الآخرين

٢٧ أبريل ٢٠١٢

تحولت الدراجات النارية في الجزائر إلى وسيلة تقود صاحبها، وربما من حوله، إلى موت محتوم، الأمر الذي أثار حفيظة الشارع الجزائري الرافض للمغامرة بحياته، وسط ارتفاع معدلات حوادث المرور وتراخي السلطات في ضبط المغامرين.

https://p.dw.com/p/14m4o
صورة من: FARS

بمجرد أن تزحزحت "سلوى" من على الرصيف لكثرة المارين به في شارع ديدوش مراد، وسط العاصمة الجزائر، حتى وجدت نفسها تطير في الهواء، بعد أن صدمتها درجة نارية كانت تمر كسرعة البرق. سقطت سلوى أرضا، والدماء تغمر وجهها، حتى أن بعض المارة لم يكد يتبين ملامحها، بينما شوهد زوجها يسارع لحملها وهو في صدمة شديدة.

أما صاحب الدراجة، فقد بدا متسمرا على أحد جانبي الطريق، ودراجته مرمية وسط الشارع، بينما مرافقه الذي كان خلفه على متن الدراجة، ملقى على الأرض والدماء تغمره، وهو لا تحرك، ساكنا ما أعطى للحادث بعده المأساوي العميق، فقد تأكد الكل أن المرافق قد فارق الحياة.

في هذا الوقت، بدأت "سلوى" تستفيق بعدما أحاط بها عدد من المارة، ولم يتوقف زوجها عن المسح بإحدى كفيه على وجهها. المسكينة بدت في حالة يرثى لها، فقد أصيبت بكسر في ساقها الأيسر، بينما كان مصدر الدماء التي غطت وجهها، أو كادت، ضربة تلقتها أعلى جبهتها.

هذا حادث من عشرات الحوادث التي تسببها السرعة الفائقة للدراجات النارية في الجزائر، والتي أصبحت مصدر رعب للكثيرين، حسب "فاطمة" (45 سنة) التي تقول: "أصبحت الدراجات النارية مصدر رعب، فيوميا لا نكاد نسير، إلا ونجد دراجة نارية تقترب منها، لتكاد تطير من فرط السرعة". ترى "فاطمة" أن الدراجات النارية أصبحت تشكل، فعلا، مصدر خوف وقلق للمارة بمختلف شوارع الجزائر بسبب تهور المراهقين"، الذين يشعرون وكأنهم يجولون وحدهم في هذا العالم"، تتحدث "فاطمة" بأسى.

Motorräder in Algerien: Abenteuer führt meisten zum Tot
صورة من: DW

ويروي الطالب "ياسين جمعو" الذي حضر حادث "سلوى" بشارع ديدوش مراد أن صديقا له توفي وهو يقود دراجة نارية حيث اصطدم بشاحنة. وحسب ما يتداوله أفراد أسرته فإنه عثر على جثته  مقطعة إربا إربا بفعل قوة الحادث، يقول "ياسين"، بحسرة شديدة، "لقد باتت الدراجات النارية  مصدر رعب أكثر منها وسيلة ترفيه".

الشعور نفسه عبرت عنه "كريمة" التي دخلت في "حرب" مع ولدها المراهق الذي يستخدم دراجة صديقه بتهور. "كريمة" قالت "بكل صراحة لم أستطع التحكم في ابني خاصة بعد وفاة والده بالرغم من أنني نبهته بمدى خطورة استخدام الدراجة النارية وعاقبته على ذلك، إلا أنه لا يبالي". 

 ويرى "حسن"، وهو طالب، أن بعض الشباب يرون استخدام الدراجة النارية عاملا يساعد على التنفيس عن أنفسهم، وعبر عن تعاطفه مع ضحايا حادث الدراجة النارية الذي أدى إلى مصرع طفلين في عمر الزهور:.. "الأول كان في 18 عشرة من عمره، والثاني يكبره بعامين، فكان الموقف صعبا جداً بالنسبة إلي".

متعة وتنفيس واستقلالية

بعض الشباب عبروا عن سعادتهم بامتلاكهم دراجة نارية، حيث أوضح "رفيق" أن إقبال كثير من الشباب على شراء الدراجة النارية مرده الرغبة في المغامرة، وليس أفضل سبيل لذلك من دراجة نارية. أما "وليد" (16 سنة) فحلمه شراء دراجة نارية، وقد رسم طريقه لتحقيق الحلم: التفوق في الدراسة سبيل جيد لإقناع الوالد باقتناء دراجة نارية. لكن في انتظار نهاية السنة وظهور نتيجة الامتحانات، يخصص "وليد" جزءا من وقته لتذوق هذه "المتعة"، من خلال مشاركة صديقه "رفيق" ركوب دراجته، خاصة عند الخروج من المدرسة، ولا يجد في ذلك خطرا على حياته لأنه "يتقن القيادة جيدا".

أما "فيصل، وهو أحد هواة هذا النوع من المراكب، فبالنسبة بالنسبة امتطاء الدراجة النارية هو تنفيس وشعور بالتفرد والاستقلالية، خاصة عندما يتمكن من تجاوز كل الحواجز التي لا يمكن للسيارة تجاوزها. لكن "فيصل" يبدو أكثر تعقلا من غيره، بقوله "لا شك في خطورة هذه الدراجات النارية، سواء على قائدها أو على سائقي السيارات، لأنها تخلو من وسائل السلامة والأمان، وأنا شخصيا أفضل قيادة دراجتي النارية في المناطق النائية، حيث أستمتع كثيراً وكلي يقين بأنني لا أسبب الأذى للآخرين

حادث مؤثر

 

Motorräder in Algerien: Abenteuer führt meisten zum Tot
صورة من: DW

لكن "كمال" كانت تجربته الخاصة قاسية للغاية، حيث يروي: "كنت أقود دراجتي النارية رفقة أخي سنة 2004، وكان معنا جماعة من الأصدقاء فمنهم من يقوم بتصويري وأنا أؤدي بعض الاستعراضات، والآخرون يشجعونني. في هذا اليوم لم نتخذ، أنا وأخي، الاحتياطات اللازمة لقيادة الدراجة، حيث لم نكن نرتدي الخوذة الواقية، نظراً لثقتي في مهارتي، ولكن شاء القدر أن يسقط كلانا من على الدراجة. أنا أصبت إصابات خطيرة ونقلت إلى المستشفى وبقيت أسابيع أتعافى، بينما تلقى أخي ضربة في رأسه حسبناها بسيطة بادئ الأمر، ولذا رفض عرض نفسه على الطبيب، لكن بعد أشهر عدة أصبح يشعر بآلام شديدة في رأسه، ليغمى عليه ذات يوم، لنقف جميعا على حجم الفاجعة بمجرد عرضه على طبيب مختص، حيث اكتشفنا أن لديه إصابة بالغة في رأسه جراء الحادثة إياها، وعند إجراء العملية الاستعجالية، لاحظ الأطباء أن جزءا من دماغه متعفن لعدم معالجة الإصابة في وقتها، فكانت الصدمة الكبرى بفقدانه إلى الأبد بعد أيام قليلة من هذه العملية".

تذكر "كمال" هذه الحادثة بأسى شديد: "لقد فقدت أخي بسبب تهوري.. والآن أعاني من فوبيا قيادة الدراجات النارية".

 قصة "كمال" كانت مؤثرة، ومثلها قصص كثيرة  تدل على أن قيادة الدراجات النارية قد أصبحت، فعلا، طريقا إلى الموت السريع، وتكشف أرقام مديرية الأمن الجزائري حجم المأساة، عندما تؤكد أن استعمال الدراجات النارية تسببت بأكثر من 349 حادثا مروريا منذ بداية 2012، فقط.

الآباء شركاء في "الجريمة"

وترى الخبيرة في الشأن الاجتماعي الكاتبة الصحفية فتيحة بوروينة أن تنامي ظاهرة استعمال الشباب الجزائري للدراجات النارية ليست بنت اليوم، فمنذ السبعينيات ظلت الدراجة النارية أو موضة " الموطو " كما تسمى باللسان العامي الجزائري الهجين ( عربي فرنسي ) فعلا " استقلاليا " بامتياز، و " مظهرا افتخاريا " بل و " ممارسة فحولية " أيضا "، وتقول أن الشاب الذي يمتلك " موطو " يمتلك حريته، لا يشعر بالحاجة إلى سيارة أبيه أو أمه، و لا يحتاج لوسائل النقل الأخرى.

و تؤكد فتيجة بوروينة في لقاء لدي دبليو عربي " أن الدراجات النارية تحوّلت إلى كابوس، إلى درجة صارت خطورته مثلا شعبيا معاصرا تتداوله الألسنة " اللي شرا موطو شرا موتو "؛ أي الذي عمد إلى شراء الدراجة النارية يكون قد سعى إلى حتفه بنفسه.

و تحمل بوروينة العائلات والوالدين مسؤولية تنامي الظاهرة التي تشتري الدراجات النارية لأبنائها للتباهي والتفاخر في ظل تباطؤ جهود السلطات العمومية في تهيئة ممرات لمستعملي الدراجات تماما مثلما تهيئ ممرات للراجلين ومثلما هو معمول به في دول كثيرة.

رتيبة بوعدمة ـ الجزائر

مراجعة: عبده جميل المخلافي