1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الباجي قايد السبسي: الانتخابات التونسية المقبلة قد تحمل مفاجآت

٢٤ مارس ٢٠١٢

أطلق الباجي قايد السبسي رئيس الحكومة التونسية المؤقتة السابق مبادرة سياسية تهدف لخلق معادلة جديدة بين الإسلاميين والعلمانيين.السياسي المخضرم كشف في حوار مع موقع DW في مدينة كولونيا عن تصوراته لمستقبل مهد الربيع العربي.

https://p.dw.com/p/14RCo
صورة من: DW

ربما جاز تشبيهه بطائر الفينيق، الذي لا يموت "سياسيا"، عمره 86 عاما، وتبدو ملامحه وصحته بخير. لعب أدوارا بارزة في الحياة السياسية بتونس منذ بدايات استقلال البلد سنة 1956. إنه الباجي قايد السبسي، رئيس الحكومة التونسية المؤقتة السابق، الذي تولى إدارة شؤون البلاد في وقت حاسم من عمر ثورة الياسمين. وقاد عملية الانتقال السياسي بسلاسة وفي ظل حكومته نظمت أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد.

كثيرون توقعوا أن يعتزل الباجي قايد السبسي السياسة، بعد أن أنجز للتونسيين ما يجعلهم يفتخرون به، لكن يبدو أن طائر الفينيق عائد. فقد أطلق السياسي المخضرم من مدينة المنستير اليوم السبت (24 مارس آذار 2012) مبادرة سياسية جديدة وذلك خلال تجمع شعبي حضره أكثر من 25 ألف شخص. المنستير هي مسقط رأس الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، ومنه يستوحى الباجي قايد السبسي الكثير في نهجه السياسي. وتحمل المبادرة الجديدة اسم "الجمعية الوطنية للفكر البورقيبي" وهي عبارة عن تحالف واسع يضم 50 حزبا ومئات من جمعيات المجتمع المدني.

في حوار أجراه معه موقع DWعربية خلال زيارة قام بها أخيرا إلى ألمانيا، يكشفرئيس الحكومة التونسية المؤقتة السابق، عن رؤيته لمستقبل أوضاع بلده في ظل حكومة يقودها إسلاميو حزب النهضة.

وفيما يلي نص الحوار:

DWعربية: رغم سلاسة عملية الانتقال السياسي من حكومتكم المؤقتة إلى الحكومة المنتخبة، أبديتم

مخاوف على مستقبل العملية الديمقراطية في البلاد، ما هو مرد هذه المخاوف؟

الباجي قايد السبسي: أولا كلامي لم يكن من باب الصدفة. فبعد تسلمه مقاليد رئاسة الحكومة أبدى حمادي الجبالي أمين عام حزب النهضة، في تصريحه أمام المجلس التأسيسي، تشاؤما بخصوص صعوبة الأوضاع وعبر عن قلقه. وأظهر خلال تقديمه لكشف (تشخيص) عن الأوضاع أن هنالك احتقانا. وأنا اعتبر نفسي مسؤولا، لأن مغادرتي للحكومة لا تعني اعتزالي للسياسة، فأنا أتابع الأمور ولدي رغبة بأن تنجح الحكومة الحالية، لأن المسار الديمقراطي عملية متواصلة، لم تنته ولا تنتهي.

واعتقد أننا اجتزنا نصف الطريق، وتواصل الحكومة الحالية بقية المشوار لتحقيق المسار الديمقراطي.

لكن مخاوفكم ليست فقط بسبب تصريح رئيس الحكومة، بل كانت سابقة حتى لتشكيل الحكومة الجديدة؟

رئيس الحكومة من جهته عبر عن قلقه، وأنا شخصيا أجبت بأنه ربما هنالك تفسير للاحتقان الموجود. فمثلا لو قدمت الحكومة بعض المبادرات لتم امتصاص هذا الاحتقان.

ما المطلوب تحديدا، في هذا الصدد؟

أود التذكير في هذا السياق بالآية القرآنية الكريمة: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". وقعت التزامات بأن تنظم بعد سنة من انتخاب المجلس التأسيسي ووضع الدستور، انتخابات تشريعية ورئاسية، لكن هذه الانتخابات وفقا للأعراف الدولية تتطلب ما بين ستة إلى ثمانية أشهر، للتحضير لها. لكن إذا أمضينا الآن خمسة أشهر دون التحضير لهذه الانتخابات، فهذا يعني أننا لا نفعل شيئا وبالفعل لن نحترم تعهداتنا. ومن شأن هذه الأمور أن تخلف لدى المواطنين شعورا بأن الحكومة الحالية لا تحترم تعهداتها، وهذا لن يكون له أثر ايجابي على العملية السياسية.

ومن هذا المنطلق، قلت إنه أمامنا مجال من الوقت للقيام بذلك، وبأن تبادر الحكومة الحالية بتحديد تاريخ للانتخابات المقبلة وأن تبدأ بالتحضير لها بالتعاون مع اللجنة المستقلة للانتخابات التي أشرفت على انتخابات المجلس التأسيسي.

Übergangsregierung Tunesien
الباجي قايد السبسي في حواره بمدينة كولونيا مع الزميل منصف السليميصورة من: DW

خلال فترة توليكم لرئاسة الحكومة الانتقالية، لمَحتم إلى وجود أطراف خفية وراء أحداث الانفلات الأمني في البلاد، لكنكم لم تكشفوا صراحة عنها. هل يمكنكم الكشف عنها الآن؟

الاستفاقة (اليقظة) اللاحقة، ليست من مواصفات سياستي. ولذلك فإن ما لم أقله آنذاك، لن أقوله الآن. وسأترك لغيري ذلك. فقد غادرت الحكومة، ونالتني انتقادات باطلة بكوني تركت لهم تركة ثقيلة. وهي في حقيقة الأمر تركة الجميع، فأنا شخصيا ترأست حكومة مؤقتة وكان عملها مؤقتا، ولم يكن من الممكن أن نفضَ مشاكل عشرين سنة من الحكم السابق، في فترة قصيرة.ولذلك، فقد كان هدف الحكومة المؤقتة التي ترأستها، هو استتباب الأمن وبأن نحضر للانتخابات التي وقعت، وكانت بشهادة الجميع تعددية وشفافة ونزيهة.

ما هي قراءتكم للنشاط المكثف والمفاجئ الذي تقوم به جماعات سلفية وإسلامية متشددة في تونس بعد الثورة، وكونه يأتي أحيانا في أوقات حسَاسة، ويبدو مربكا أو مهددا للعملية السياسية برمتها؟

في حقيقة الأمر، هؤلاء أقلية لكنهم يظهرون على الساحة بتحركاتهم المكثفة ولا يتوانون عن استخدام العنف، وحتى من حيث الشكل والملامح هم بارزون في الشارع. ولكنني لا أعتقد أنه ينطوي على خطورة قصوى. والأفضل أن نباشر التعاطي مع هذا المشكل وأن لا نترك المجال لتطوره وتفاقمه. وأتمنى أن تفهم الحكومة هذا الأمر وتقوم بالواجب إزاءه لوضع الأمور في نصابها.

لقد صوت قطاع مهم من التونسيين لحزب النهضة، وهو حزب إسلامي يوصف بالمعتدل، لكن ما يثير تساؤلات المراقبين للأوضاع في تونس، هو كيف تطفو على السطح جماعات أخرى متشددة بعضها يدعو لتطبيق الحدود وختان البنات في بلد اتسم تاريخيا بالوسطية والانفتاح والحداثة؟

أعتقد أن تصرفات حكم بن علي وصلت مداها بأن خلقت إحباطا كبيرا لدى المواطنين، مما دفع البعض منهم إلى أن يلتجئوا إلى تصرفات مثل هذه (الجماعات)، وذلك من منطلق التنديد بالسياسات المتبعة من قبل حكم بن علي. لكن هذه الظاهرة موجودة الآن وهي ليست أمرا جيدا ولا بد أن نُباشر سياسة تعالج المشكل.

Debatte über Scharia in Tunesien
صورة من: DW

مسألة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات خلال الثورة وعن الفساد خلال فترة حكم الرئيس المخلوع، لم تحل خلال فترة حكومتكم ولا تزال الآن مطروحة، ما هو أنجع سبيل لمعالجتها، هل العدالة الانتقالية أم طي الصفحة؟

أنا مبدئيا ضد الأحكام الجماعية أو العقاب الجماعي، لأن المخالفات فردية. وهنالك صنفان، أولا حزب التجمع الدستوري وقد تم حله عن طريق القضاء، وهذه قضية طويت. وثانيا، هنالك أفراد، يتعين الحكم على تصرفاتهم كل على حدة، ويحاسب عن طريق العدالة وعبرها يأخذ الشعب حقه منه. أما من لم يرتكب خطأ فلا يعقل أن نقصيَه، وأنا شخصيا ضد الإقصاء، واعتقد أن من حقه المساهمة في الحياة السياسية ولا احد يمكنه ان يمنعه.

تقصد التوقف عن منع فئات معينة من الترشح للانتخابات، باستثناء من يصدر في حقه حكم قضائي؟

تماما، فقد أقدمت اللجنة المستقلة للانتخابات على قرار صعب تمثل في إقصاء مجموعة لكن لفترة انتخابات المجلس التأسيسي فقط، وهذا الأمر قمنا بتنفيذه. ولكن الآن أصبح لهؤلاء حق المشاركة مثل غيرهم، ولا يمكن أن نستمر في ملاحقتهم إلى ما لا نهاية له. أما الذين تصدر بحقهم أحكام قضائية فذلك أمر مختلف، ويتعين أن يحاسبوا، لأنه لا يعقل أن يرتكب أشخاص أخطاء بحق بلدهم وشعبهم ويخرجوا بدون محاسبة من قبل القضاء.

والآن هنالك طرح جديد، يتمثل في العدالة الانتقالية، وقد شكلت الحكومة لهذا الغرض وزارة خاصة بها. والبعض يقولون إن الإشراف على العدالة الانتقالية ينبغي أن يكون من قبل شخصيات مستقلة لا علاقة لها بالسلطة، بينما يقول آخرون بتولي الوزارة المختصة لهذا الملف. وهو الاتجاه المرجح حاليا.

ونحن نتمنى النجاح لهذه الوزارة في هذه المهمة مثلما نتمنى النجاح للحكومة في كافة الميادين.

يُنظر لكم كرمز للبورقيبية (نسبة للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة)، كما يرى بعض المراقبين في مبادرتكم الأخيرة، محاولة لإحياء البورقيبية هل يتعلق الأمر ببعث تيار سياسي وحزبي جديد، وفي هذه الحالة ما هي الفئات التي سيعتمد عليها؟

هذه في بعض الأحيان كلمة حق يُراد بها باطل. لقد توفي بورقيبة رحمه الله، وقام بواجبه ولا اعتقد أن هنالك كثيرين أخلصوا للبلد مثله. وقد خلَف وراءه أشياء عظيمة، ومكتسبات تاريخية يتمتع بها التونسيون الآن، وبدون استثناء. ولكن بورقيبة خلَف أيضا مدرسة يُطلق عليها المدرسة البورقيبية، وهي طريقة في النضال والحكم والمنهجية. وهذا هو كل شيء، وهنالك متمسكون بهذه الطريقة وهم ينتمون لأحزاب مختلفة، لكن من المهم الإشارة بأن أكثر المخلصين كانوا من المنتمين لحزب بورقيبة.

هنالك من يقول إن الباجي قايد السبسي قام بدوره والآن حان وقت الشباب، لكن في فيسبوك يطلق عشرات الآلاف من المشتركين دعوة كي تقوم بدور سياسي جديد، ما رأيك؟

كما قيل، لا تجتمع كلمة أمتي على غير الصواب، وإذا كان كثير من الناس يطلبون هذا (الدور) فلاشك أن الحق معهم..(يبتسم)..

ما هي طبيعة هذا الدور؟ هل ستؤسس حزبا سياسيا مثلا، أم هنالك تفكير في دور آخر؟

سأُعلن عن أي شيء أفكر به، في إبَانه.

هل يعني ذلك أن الوقت ما زال مبكرا كثيرا؟

لا بَرشا (باللهجة التونسية تعني الكثير) ولا قليلا. ولكن حتى يحين الموعد المناسب.

هل تعتقد أن تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون سنة مثلا، يمكن أن يحمل مفاجآت وتغييرا كبيرا في الخارطة السياسية، بسبب ما اعتبرتَه ظروفا خاصة جرت فيها انتخابات المجلس التأسيسي ومنحت حزب النهضة فوزا كاسحا؟

أولا أود أن أوضح أن حزب النهضة نفسه لا يرغب في القول بأن الحكومة الحالية هي حكومة "النهضة"، بل حكومة الترويكا المكونة من ثلاثة أحزاب (أحزب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي). لكن بطبيعة الحال، فإن حزب النهضة له الدور الأساسي فيها.

واعتقد أن الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر الماضي، جاءت نتيجة أعمال قامت به اللجنة العليا المستقلة للانتخابات وضمنها مراجعة شاملة للوائح الناخبين ورفضت اعتماد اللوائح التي كانت لدى وزارة الداخلية، حرصا منها (اللجنة)على المصداقية. وبالفعل فقد قامت اللجنة بعمل كبير لكنه لم يكن كافيا. فإذا أردنا أن نقرأ المشهد الانتخابي بشكل مدقق، سنلاحظ أن هنالك ما يقارب 8 ملايين و200 ألف شخص يحق لهم التصويت، منهم 7 ملايين ونصف مليون داخل البلاد وحوالي 700 ألف خارجها. لكن عدد الذين تم تسجيلهم لم يتجاوز خمسة ملايين ناخب، أي أن نسبة كبيرة لم يسجلوا. ولاشك أن الانتخابات الأخيرة أعطتنا صورة مصغرة عن المشهد السياسي في تونس، لكنها ليست صورة كاملة.

Angela Merkel und dem tunesischen Ministerpräsidenten Mustafa Jebali
حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية في أول زيارة لألمانياصورة من: Reuters

وماذا يعني ذلك، بالنسبة للانتخابات المقبلة؟

أولا، أقول إن الذين لم يسجلوا لهم حق ممارسة حقهم الانتخابي. وخصوصا أننا لاحظنا كيف أن أناسا من أجيال مختلفة مسنين وشباب، كانوا يقضون الساعات الطوال في انتظار وضع أصابعهم في المداد ليقترعوا، لأن الانتخابات كانت تتسم بالمصداقية. وإذا أردنا الآن أن نمضي في تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية لإفراز مؤسسات نهائية، فيتعين أولا، أن نواصل عملية تسجيل الناخبين، كي نؤَمِن مشاركة أكبر عدد من الناخبين.

وهل تتوقعون تغييرا كبيرا في الخارطة السياسية، باستكمال الجزء الناقص من قاعدة الناخبين؟

بأي حال سنكون أمام مشهد سياسي مطابق أكثر لحقيقة المجتمع السياسي في تونس.

وهل يعني ذلك أن نتائج حزب النهضة ربما تكون نسبيا أقل في ظل قاعدة انتخابية أوسع؟

حصل حزب النهضة على نسبة 37 في المائة من الذين صوتوا، وعددهم مليون ونصف مليون ناخب. لكن هذه النسبة لا تعادل سوى 18,1 في المائة من مجموع الناخبين التونسيين لو تم تسجيلهم في اللوائح الانتخابية.

ولأن النهضة حزب منظم فقد قام قادته بعمل كبير لتسجيل كل أعضائهم والأشخاص القريبين منهم وحصلوا على نسبة متقدمة في الانتخابات السابقة. لكن اذا تم تسجيل كل الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات المقبلة، من الممكن أن تتغير الأمور، وربما يحصل حزب النهضة على نسبة أكبر. المهم سيكون صندوق الاقتراع هو الحكم.

هل لديك تخوف من أن تكون نتيجة الجدل القائم حول مكانة الدين والشريعة في الدستور على حساب الدولة المدنية والتقاليد العلمانية للدولة التونسية؟

ليس لدي أي تخوف، وشخصيا اعتبر أن الفصل الأول من الدستور السابق يقوم حوله إجماع في تونس، باستثناء بعض الشواذ، في الجانبين سواء اللائكيين (العلمانيين) أو دعاة الشريعة. والفصل الأول من الدستور، واضح ينص على أن"تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، العربية لغتها والإسلام دينها والجمهورية نظامها"، وهو قاسم مشترك بين كل التونسيات والتونسيين. ولا اعتقد انه سيتم المساس به، وإذا وقع ذلك (المساس به) فسينخرم الهرم كله. ولذلك أنا لدي الثقة في أن يتم احترام هذا الإجماع.

وهل تعتقد أن حزب النهضة سيلتزم بهذه القاعدة التي يقوم حولها إجماع؟

لقد التزمت النهضة في السابق في الميثاق الوطني (1989) وكذلك خلال حملتها الانتخابية في الانتخابات الأخيرة، بهذه الثوابت، والمتمثلة بمكتسبات تاريخية منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في مقدمتها مجلة الأحوال الشخصية (قانون المرأة) والفصل الأول من الدستور. وقد عبر حزب النهضة مرارا وتكرارا عن التزامه بهذه المكتسبات ولا اعتقد أنهم سيتراجعون عن التزامهم.

Anhänger der islamistischen Ennahda Partei demonstrieren in Tunis
صورة من: picture-alliance/dpa

هل تعتقد أن فوز إسلامي حزب النهضة في تونس، سيؤثر سلبيا على علاقات تونس التقليدية مع الدول الغربية؟

تونس لديها تعهدات مع أوروبا وهي شريكنا الأول. وتربطنا بها اتفاقيات شراكة. وكانت تونس أول دول جنوب البحر الأبيض المتوسط توقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، ونطمح الآن للحصول على وضع شراكة متقدمة. وقد تعهدت الحكومة الحالية بمواصلة هذه الالتزامات.

مثلا، خلال زيارتك لألمانيا ولقاءاتك مع سياسيين ألمان، هل لمست بعض المخاوف على مستقبل الديمقراطية والاستقرار في تونس؟

تونس لديها مكانة متميزة، والألمان لن ينسوا أبدا أن تونس حافظت دوما على علاقاتها حتى عندما قطعت الدول العربية معها العلاقات (بداية الستينات). وهو مكسب تاريخي في العلاقات يتعين الحفاظ عليه. وثانيا، اعتقد أن زيارة رئيس الحكومة حمادي الجبالي إلى ألمانيا، كانت في محلها. وقد اُستقبل من طرف الألمان بشكل ممتاز، وقد ساهم في توطيد العلاقات. وربما ساهم أيضا في تبديد بعض المخاوف التي كانت قائمة.

ما هي طبيعة تلك المخاوف؟

لا يتعلق الأمر بمخاوف ألمانية، وإنما في الدول الغربية عموما. هنالك بالأساس تساؤلات حول موضوع الإسلام والديمقراطية. هذه مسألة أوضحناها خلال زيارات واتصالات مع مجموعة الدول الصناعية الثمانية ومع الولايات المتحدة وأوروبا، وهي أن الروح الإسلامية المعتدلة كما نفهمها في تونس تحثنا على التمسك بالمسار الديمقراطي. وقد بدأت الدوائر الغربية تتفهم هذا الأمر خصوصا بالنسبة لتونس، بأنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية.

بعد أكثر من سنة على نجاح الثورة التونسية، مازالت دول الربيع العربي الأخرى تعيش مخاضات واضطرابات، كيف تبدو لك الأمور والآفاق من منطلق التجربة التونسية، مهد الربيع العربي؟

تتوفر تونس على خصائص لا تتوفر في غيرها، ويتعين أن نلاحظ أن الثورات لا تؤدي دائما إلى الديمقراطية. فهنالك ثورات عديدة آلت إلى حمامات دماء. ومن حسن حظنا في تونس، أن الوضع جيد. ولابد أن نعترف للحكومة المؤقتة (التي ترأسها قايد السبسي) بشيء من النجاعة وكونها حَمت الثورة من الانزلاق نحو متاهات أخرى، ووضعتها في الطريق الصحيح، أي طريق المسار الديمقراطي.وفي حقيقة الأمر، فإن الشعب التونسي هو من نجح لأنه شعب واع ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال طوابير الناخبين أمام مكتب الاقتراع، التي أظهرت إلى أي مدى يعي التونسيون أهمية قيمة الانتخابات ومكتسبات ثورتهم.

ففي تونس، لدينا مكتسبات تاريخية في نظامنا ورثناها منذ عهد الاستقلال وبناء الدولة الحديثة، وفي مقدمتها مسألة تعميم التعليم الذي غير وجه الشعب التونسي بشكل تام. وثانيا تحرير المرأة، الذي غير المعادلة في المجتمع التونسي، وهي خاصية لا توجد في أي بلد عربي أو إسلامي آخر. وثالثا وجود طبقة وسطى عريضة جدا.

وتساهم هذه العوامل الثلاثة في جعل المسار الديمقراطي في تونس أسهل من غيرها من الدول العربية. لكن تبقى لدينا بعض المشاكل الاقتصادية، بسبب ضعف النشاط الاقتصادي الذي يتعين أن نتداركه وأن يحظى بألوية الاهتمام عبر الاستثمار في مشاريع كبرى في المناطق التي كانت مهمشة، بهدف امتصاص معضلة البطالة، وخصوصا بطالة خريجي الجامعات.

أجرى الحوار: منصف السليمي ـ كولونيا

مراجعة: أحمد حسو