1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الأزمة في سوريا تعيد "أنتيكة" الأجداد إلى خيار الحاضر

١ مارس ٢٠١٢

ألقت الأوضاع الصعبة، التي أفرزتها الأزمة في سوريا بظلالها على معظم الحاجات المعيشية الأساسية للسوريين كالتدفئة والكهرباء والإنارة والطعام، وهو ما أدى إلى اضطرار معظمهم إلى استخدام أساليب قديمة للتغلب على هذه الظروف.

https://p.dw.com/p/14BRN
صورة من: DW

مشهد دمشقي قديم لطالما تناقله السوريون في حكاياتهم القديمة وقصص أجدادهم التراثية حين يجتمع كل أفراد العائلة تحت أضواء الفوانيس الذهبية وعلى دفء مدفأة الحطب الحديدية في ليالي البرد الشتوية. هذا المشهد الجميل، الذي عاشه الأجداد منذ عقود، ما لبث أن عاد ليتكرر مع الأحفاد ولكن مع اختلاف زمني بسيط فالسوريون يعيشون الآن في القرن الواحد والعشرين. ففي ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وصعوبة الحصول على مادة المازوت، التي يستخدمها السوريون في التدفئة وارتفاع سعر أسطوانة الغاز إلى الضعف تقريبا، أصبح لزاما عليهم العودة لاستخدام الأدوات التي كانت معدة للزينة فقط هربا من برد الشتاء القارس وظلمته.

مدفأة الحطب تعود لتأخذ مكانها في المنازل

يتحدث السيد عمر، وهو أب لأربعة أطفال، لموقع DW عربية عن الأسباب التي دفعته لاستخدام مدفأة الحطب قائلا: "لقد قررت عدم الذهاب للتزود بالمازوت منذ بداية الشتاء وذلك بعد أن لقنني عمال محطة الوقود درسا قاسيا بسبب رفضي دفع أجر إضافي لموظفي المحطة كمكافأة إجبارية لهم مقابل تأمين 22 لتر من مازوت التدفئة بسرعة كي لا أضطر للوقوف خمس ساعات في طابور الانتظار". ويقول هذا الرجل الدمشقي بأنه لن ينسى هذا الدرس "ما حييت، كان له مذاق خاص لأنه كان تحت مرأى ومسمع موظف التموين الذي كان يشرف بنفسه على عملية توزيع المازوت على المواطنين والتأكد من أن كل شيء يتم على ما يرام".

يحرك السيد عمر عكازه، الذي اضطر إلى حمله ليساعده على المشي بعد هذه الحادثة متوجها نحو مدفأة الحطب ليضع داخلها بعض الحطب ويتابع حديثه "هذه من إصلاحات بشار الأسد ونظامه. لم أتخيل يوما أني سأستخدم هذه الأنتيكة التي ورثتها من بيت جدي القديم والتي كنا نستخدمها للزينة فقط لتدفئ عائلتي وأطفالي، فقد باتت هي الحل الوحيد في ظل هذه الظروف الصعوبة التي نعيشها".

ولا يختلف حال السيد عمر عن حال معظم السوريين الذين يرون أن مدفأة الحطب أصبحت تشكل حلا مناسبا يؤمن التدفئة، على الرغم من سلبياتها المتعددة وخطورتها في بعض الأحيان في حال تم استخدامها بشكل خاطئ فقد تؤدي إلى الاختناق أو الوفاة في حال تشبع الغرفة بغاز أول أوكسيد الكربون، الذي لا لون له ولا رائحة أو قد تتسبب في نشوب حريق داخل المنزل. إلا أن دانة، البنت الصغرى للسيد عمر، ترى أن لهذه المدفأة إيجابياتها في خلق جو هادئ ومميز في البيت "إن تحلق أسرتنا حول مدفأة الحطب يضفي جوا مميزا في بيتنا لطالما افتقدناه مع مشاغل الحياة، كما أن رائحة الحطب المشتعل في الغرفة مميزة جدا".

الكاز بديلا عن الغاز والكهرباء

مصابيح الكاز القديمة والفوانيس بالإضافة إلى الشمع تأتي في المرتبة الثانية من ضمن الأدوات التراثية التي أصبح استخدامها أكثر إلحاحا في ظل الانقطاع اليومي المتكرر للكهرباء، والذي يصل في بعض المناطق إلى أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميا، وعدم مقدرة معظم السكان على تركيب مولدات كهربائية لأنها تعمل بمادة المازوت المفقودة أساسا. هذه الظروف دفعت السوريين إلى أن يجدوا في المصابيح والفوانيس حلا مناسبا خاصة أنها تعمل على مادة الكيروسين والتي يطلق عليها السوريون "زيت الكاز" المتوفرة نسبيا. ويعلق السيد خالد الحاج عن استخدامه لمصباح الكاز قائلا "الكاز متوفر بشكل جيد مقارنة مع باقي مواد الوقود ورغم ارتفاع سعره نسبيا إلا أن المصباح لا يستهلك الوقود بشكل كبير وبالتالي يصبح الوسيلة الأكثر اقتصادية من بين الأدوات الأخرى".

Syrien Panzer Patrouille
الوضع في محافظة ريف دمشق أسوأ نظرا للمواجهات الدائرة بين الجيش السوري والمنشقينصورة من: dapd

كما أن ارتفاع سعر أسطوانة الغاز إلى الضعف تقريبا دفع بربات البيوت إلى استخدام ما يعرف بـ "ببور الكاز" وهو أيضا من الأدوات القديمة التي تعتمد على الكاز. السيدة أم خالد، التي تبلغ من العمر خمسة وسبعين عاما، هي إحدى ربات البيوت اللاتي عدن إلى استخدام بابور الكاز في الطهي والغسيل وتسخين الماء للاستحمام. أم خالد تتحدث لموقع DW عربية عن ذلك وتقول: "لقد عدنا لباب الحارة وأيام شامية"، وذلك في إشارة إلى مسلسلين سوريين ناجحين تناولا حياة الدمشقيين في مطلع القرن الماضي. وتضيف أم خالد بالقول: "منذ طفولتي كان ببور الكاز جزءا من حياتنا والآن بعد هذه السنين أنزلته من سقيفة بيتي بعد نفاذ أسطوانة الغاز وليعود ليملأ البيت بصوته الجميل".

الحاجة أم الاختراع

ومع ابتعادنا عن مركز العاصمة باتجاه بعض بلدات محافظة ريف دمشق، التي تشهد مواجهات مستمرة بين الجيش النظامي والمنشقين أو ما بات يعرف بالجيش السوري الحر، تزداد الأمور أكثر صعوبة خصوصا بعد إعلان "الهيئة العامة للثورة السورية" إحدى قوى المعارضة في الداخل، بعض هذه المناطق بأنها مناطق منكوبة وأنها أصبحت تفتقر إلى أدنى مقومات العيش الضرورية من طعام وشراب وتدفئة وغيرها من الحاجات الأساسية. في هذه البلدات سمعنا قصصا غريبة ففي منطقة الزبداني يتحدث بعض السكان عن اضطرارهم إلى تكسير جذوع الأشجار من حقولهم التي هي مصدر عيشهم لاستخدامها ليس فقط من أجل التدفئة وإنما لطهي الطعام بعد انقطاع الغاز عن هذه المناطق لمدة تزيد عن الشهرين. كما اضطر الأهالي إلى فتح ممرات داخلية بين البيوت للتنقل داخل الأحياء وذلك بسبب خطورة الخروج إلى الشارع.

نورا الشعلان ـ دمشق

مراجعة: أحمد حسو

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد