1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ألمانيا ـ شتاينماير مهندس التوافقات وصاحب الشعبية الجارفة

حسن زنيند
١٦ فبراير ٢٠٢٢

يشكل انتخاب الرئيس الألماني لحظة مهمة في الحياة السياسية لبلد دفعته تجارب التاريخ لاختيار الديموقراطية البرلمانية نمطا للحكم، وكما كان متوقعا فقد أعيد انتخاب شتاينماير لولاية ثانية، حدث حظي بتغطية إعلامية واسعة.

https://p.dw.com/p/474ry
الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يوم إعادة انتخابه لولاية ثانية (برلين 13 فبراير 2022)
الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يوم إعادة انتخابه لولاية ثانية (برلين 13 فبراير 2022)صورة من: Michael Probst/AP Photo/picture alliance

في عملية انتخابه رئيسا لألمانيا لولاية ثانية حصل فرانك ـفالتر شتاينماير على 1045 صوتا من إجمالي 1437 صوتا أي بنسبة تأييد قاربت 73 بالمائة. وضمن شتاينماير أغلبية مريحة بفضل دعم أحزاب ائتلاف "إشارة المرور" الحاكم (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر)، بالإضافة إلى التكتل المسيحي المحافظ (المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري). وفاز شتاينماير (66 عاما) بولاية ثانية بعد الجولة الأولى للتصويت، كخامس رئيس في تاريخ ألمانيا الحديثة يفوز بولاية ثانية.

انتخاب شتاينماير لم يكن مفاجئا، إذ كانت ضآلة فرص المرشحين المنافسين واضحة منذ البداية. فقد حصل مرشح حزب اليسار، الطبيب غيرهارد ترابرت (65 عاما) على 96 صوتا. وحصل الاقتصادي ماكس أوته (57 عاما)، مرشح حزب البديل اليمني الشعبوي، رغم انتمائه للحزب الديموقراطي المسيحي، على 140 صوتا، فيما حصلت الفيزيائية شتيفاني غيباور (41 عاما) مرشحة حزب "الناخبون الأحرار" على 58 صوتا. وتملك أحزاب ائتلاف "إشارة المرور" ما مجموعه 1223 صوتا من إجمالي عدد أصوات أعضاء الجمعية البالغ عددهم 1472 عضوا، أي ما يفوق ببون شاسع الأغلبية المطلقة المطلوبة في أول جولة تصويت. وبهذا الشأن كتبت "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" (13 فبراير/ شباط 2022) معلقة "جرى انتخاب شتاينماير كرئيس لولاية ثانية بسلاسة مثلما كان عليه الأمر في الولاية الأولى. مرة أخرى فاز منذ الاقتراع الأول بأغلبية ساحقة. لم يكن ذلك مفاجأة. لقد توافقت الأحزاب الحاكمة على شتاينماير، وحتى التكتل المحافظ (معارضة) شهد له "بخبرته السياسية المحلية العالية" و "كفاءته الخاصة في السياسة الخارجية".

Infografik Wahl deutscher Bundespräsident AR

وظائف الجمعية الاتحادية في الدستور الألماني

تعتبر الجمعية الاتحاديةأكبر جمعية برلمانية في ألمانيا وتكمن مهمتها الأساسية والوحيدة في انتخاب الرئيس الاتحادي. وهي تجتمع كل خمس سنوات في مبنى الرايخستاغ، إلا في الحالات التي تنتهي فيها ولاية الرئيس الاتحادي قبل الأوان. وينص الدستور الألماني على أن تجتمع الجمعية الاتحادية في وقت أقصاه ثلاثين يوما قبل انتهاء ولاية الرئيس. ويتشكل أعضاء الجمعية الاتحادية من نواب البرلمان (بوندستاغ) وعدد مماثل من الأعضاء، تنتخبهم برلمانات الولايات. ويُحتسب عدد الممثلين لكل ولاية في الجمعية الاتحادية اعتمادا على عدد سكانها.

ويتم انتخاب الرئيس الاتحادي بالتصويت وبدون أي مداولة مسبقة. نظريا، من حق كل ألماني أو ألمانية أن يترشح للمنصب، بشرط وصوله لسن الأربعين. وإذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى أو الدورة الثانية من الاقتراع، تُنظم دورة ثالثة، حيث تكفي الأغلبية النسبية للفوز. كما يسمح القانون بتقديم اقتراحات بمرشحين جدد للدورة الثانية أو الثالثة. يعلن رئيس البرلمان (بوندستاغ) نتيجة الاقتراع ويسأل المرشح المنتخب عما إذا كان يقبل بنتيجة الانتخاب. وبعد خطاب قصير من قبل الرئيس المنتخب، يعلن رئيس البوندستاغ انتهاء أشغال الجمعية الاتحادية. ويتسلم الرئيس الجديد مهامه بمجرد انتخابه وتأديته القسم.

الديموقراطية من أولويات الرئيس شتاينماير

بمناسبة انتخابه لولاية ثانية دافع الرئيس فرانك-فالتر شتاينماير (الأحد 13 فبراير/ شباط) أمام الجمعية الاتحادية عن الديمقراطية ودعا إلى الشجاعة لإحداث التغيير. "دعونا لا نخاف، ولنمسك المستقبل من قرونه" مؤكدا أن الديمقراطية هي من يملك أفضل الإجابات بالنسبة لتحديات المستقبل "من يناضل من أجل الديمقراطية سيجدني إلى جانبه، ومن يهاجمها سأكون خصما له". وفي خطاب تنصيبه وجه شتاينماير نداء للرئيس الروسي فلادمير بوتين لإبعاد شبح الحرب عن أوكرانيا. وبهذا الصدد كتب موقع "تاغسشاو دي.إي" التابع للقناة الألمانية الأولى (13 فبراير/ شباط) "كلمة الفوز للرئيس القديم/ الجديد لم تكن مفاجئة، إذ اتخذ شتاينماير موقفًا واضحًا بشكل غير عادي في الصراع الأوكراني، على سبيل المثال".

كما أوضح شتاينماير أنه مستعد للحوار والنقاش مع معارضي سياسة مواجهة جائحة كورونا من المتشددين والمروجين للعنف "إلى أولئك الذين ينشرون الكراهية والأخبار الكاذبة في ظل محنة الجائحة، الذين يطلقون العنان لخيالهم مخترعين (..) "أقول لن أخجل من الجدال والنقاش بصفتي رئيسا لألمانيا، الديمقراطية بحاجة للجدال. ولكن هناك خط أحمر عند الكراهية والعنف. ويتعين علينا التمسك بهذا الخط الأحمر في هذا البلد". موقع "شبيغل أونلاين" (13 فبراير/ شباط) كتب مشيدا بكلمة الرئيس "فرانك فالتر شتاينماير ألقى أفضل خطاب له حتى الآن".

شتاينماير ـ صانع الوفاق السياسي في ألمانيا

حينما انتخب شتاينماير لأول مرة رئيسا للبلاد عام 2017، خلفا لسلفه يواخيم غاوك (المستقل والناشط في المجتمع المدني) الذي كرس جهده للدفاع عن "الحرية" بمعناها الواسع، تساءل المراقبون حينها عن أولويات شتاينماير. وفي أول خطاب له كرئيس ظهر جليا أن "الحرية والديموقراطية في أوروبا الموحدة" هو ما يجب أن تسعى ألمانيا لتكريسه من وجهة نظره. وجاءت التطورات السياسية التي شهدها العالم بعد ذلك لتؤكد صحة حدسه، خصوصا بعد صعود دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة والحركات الشعبوية في أوروبا (بولندا، المجر) بل وحتى في ألمانيا. وبهذا الصدد أوضحت أندريا روميلي، أستاذة العلوم السياسية في حوار نشره موقع "تاغسشاو دي.إي" (12 فبراير/ شباط) أن"الديمقراطية ليست معطى بديهي، على الجميع أن يناضل من أجلها وبالتالي تقديم مساهمته فيها، هذه هي القضية الكبرى بالنسبة لشتاينماير".

صحيفة "هيلبرونر شتيمه" (13 فبراير/ شباط) ترى أن الشعبية الجارفة التي يتمتع بها شتاينماير، لم تأت من فراغ. فقد أثبت أن وظيفة الرئيس الألماني لا يجب أن تكون تمثيلية محضة. "فقد تولى زمام الأمور قبل أربع سنوات عندما فشل تحالف (جامايكا) في تشكيل الحكومة، ما رسم شبح انتخابات جديدة في الأفق. وبدونه، لما كان للائتلاف المكون من التكتل المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي أن يتشكل ويحكم (..) ودفع شتاينماير بترشيحه في وقت لم ترتسم فيه بعد أغلبية في صالحه في الأفق. في النهاية وضع كل رهاناته في ورقة واحدة وفاز، لأن المزاج السياسي انقلب وتغير في البلاد". وأضافت الصحيفة أن صوت شتاينماير يجب أن يكون اليوم أوضح. سواء تعلق الأمر بـ"القيود المبالغ فيها على الحقوق المدنية، أو التطعيم الإجباري المثير للجدل (..) يتعين على الرئيس الألماني ألا يكون بعيدًا عن القضايا المثيرة للجدل في عصرنا. إذا فعل ذلك فهو سيكون حقًا اختيارا جيدا".

موقع قناة "زد.دي.إف ZDF" (الخامس من فبراير/ شباط) كتب بهذا الصدد موضحا ومستشهدا بدوره بأندريا روميلي التي أكدت أن شتاينماير فهم بسرعة أن مهمته السياسية المركزية تكمن في بناء الجسور لتجاوز الانشقاقات والاستقطابات المتزايدة داخل المجتمع. "هذا هو الفن الرفيع الذي يتقنه فرانك فالتر شتاينماير جيدًا، لتحديد المسارات، ليكون له تأثير دون أن يكون في الواجهة"، تقول الخبيرة.

أصوات معارضة لنمط انتخاب الرئيس

هناك من يرى في نمط اقتراع الرئيس تكريسا تجدد بواسطته النخب الألمانية ذاتها بعيدا عن الشعب. فباعتبار ألمانيا دولة حق وقانون وديموقراطية راسخة ومكرسة يجب أن يكون الشعب قادرًا على انتخاب رئيس دولته مباشرة، أصوات تعتبر أنه من الأجدر أن يختار الشعب الألماني رئيسه بنفسه مباشرة دون وساطة الجمعية الاتحادية. موقع "إس.في.إير آكتوئل" (14 فبراير/ شباط)، ذهب في هذا الاتجاه وكتب "مندهشا" من الطابع "غير الديموقراطي" لأسلوب عمل الجمعية الاتحادية "في كل نادٍ أو شركة مساهمة في ألمانيا، يُسمح للمرشحين بتقديم أنفسهم بإيجاز، غير أن الجمعية الاتحادية التي تنتخب أسمى منصب في الدولة، لا تسمح بذلك". يذكر أن ألمانيا تعتمد نظاما ديموقراطيا فيديراليا وليد تجربتها التاريخية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. فبعد احتلالها من قبل الحلفاء حصلت ألمانيا الاتحادية الموالية للمعسكر الغربي على استقلالها عام 1949. وبالموازاة مع ذلك نشأت جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي كانت جزء من المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفييتي آنذاك. وبعد انتهاء الحرب الباردة توحدت الألمانيتان في عام 1990، في كنف النظام السياسي الذي سارت عليه ألمانيا الغربية. وأصبحت ألمانيا الموحدة جمهوريةً برلمانية، ديمقراطية، وفيدرالية، بدستور يقوم على الحريات الفردية ودولة الحق والقانون، وباقتصاد يعد رائدا على مستوى القارة الأوروبية.

النظام السياسي الألماني يقوم على قوة المؤسسة التشريعية التي تنتخب الرئيس، خوفا من تكرار تجربة هتلر (عام 1933)، وإن كان للرئيس وظيفة تمثيلية ورمزية. وعمل الآباء المؤسسون للدستور الألماني على تفادي انتخاب الرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب. غير أنه "بعد مرور حوالي 73 عامًا على دخول الدستور الحالي حيز التنفيذ، لم يعد عدم الثقة (في الشعب) مناسبًا. في رأيي يجب أن ينتخب رئيس الدولة من قبل الشعب كما في النمسا. بالطبع، الأحزاب الألمانية ليست لها مصلحة في ذلك، فمن المحتمل أن يكون رئيس اتحادي قوي سياسيًا على حسابها"، على حد تعبير معلق "إس.في.إير آكتوئل".

خدمة الشأن العام بالتدرج في مناصب الدولة

ولد فرانك فالتر شتاينماير من أب نجار في بلدة براكيلسيك شرق ويستفاليا. كان الأول في أسرته الذي تمكن من متابعة دراسته الثانوية، بعدها واصل دراسته الجامعية وحصل على الدكتوراه في القانون وأصبح موظفا. كما انخرط في شبيبة الحزب الديموقراطي الاشتراكي إلى غاية اكتشاف كفاءته، في وقت لاحق، من قبل المستشار السابق غيرهارد شرودر. في عام 1993، تقلد شتاينماير منصب مدير مكتب رئيس وزراء ساكسونيا السفلى، قبل أن يصبح كاتبا للدولة ثم رئيسا لمستشارية هانوفر. وبعد الانتخابات التشريعية في سبتمبر/ أيلول 1998، انتقل شتاينماير إلى برلين رفقة المستشار الأسبق غيرهارد شرودر الذي فاز حينها بالانتخابات. وأضبح شتاينماير رئيسا للمستشارية ومهندسا لسياسة شرودر. وفي أول تحالف حكومي كبير مع المحافظين بقيادة أنغيلا ميركل، تولى شتاينماير منصب وزير الخارجية الذي أكسبه شعبية كبيرة.

في عام 2009، ترشح باسم حزبه الاشتراكي لمنصب المستشارية متحديا ميركل، إلا أنه فشل في ذلك. بعدها قاد المجموعة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي كزعيم للمعارضة طوال أربع سنوات. وفي عام 2013 أصبح وزيرا للخارجية مرة ثانية، قبل أن ينتخب لأول مرة عام 2017 رئيسا للبلاد، ويعاد انتخابه الآن (2022) لولاية ثانية.

حسن زنيند