1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ألمانيا ـ حزب "البديل" ظاهرة عابرة أم قوة سياسية متجذرة؟

٩ سبتمبر ٢٠٢٣

باتت شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني الشعبوي، تشكل تحدياً للأحزاب التقليدية ومعضلة سياسية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. حزب تراقبه الاستخبارات الداخلية ويخاف معارضوه من مواصلة تجذره في المجتمع.

https://p.dw.com/p/4W6wJ
زعماء ائتلاف "إشارة المرور" (أولاف شولتس روبرت هابيك وكريستيان ليندنر) في البرلمان بتاريخ السادس من أيلول/سبتمبر 2023.
زعماء ائتلاف "إشارة المرور" (أولاف شولتس روبرت هابيك وكريستيان ليندنر) في البرلمان بتاريخ السادس من أيلول/سبتمبر 2023.صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance

في خطاب ألقاه أولاف شولتس أمام البرلمان "بوندستاغ" (الأربعاء السادس من سبتمبر/ أيلول 2023)، اتهم المستشار الألماني حزب "البديل من أجل ألمانيا" بأنه يعمل بشكل متعمد على ضرب الأسس التي يقوم عليها ازدهار البلاد. وقال شولتس بهذا الصدد "إن الغالبية العظمى من المواطنين يعرفون أن الحزب هو في الواقع فريق هدم، فريق هدم لبلادنا".

وأضاف أن هذا الحزب يسعى لحل الاتحاد الأوروبي رغم أن ازدهار ألمانيا مرتبط بشكل وثيق بالتكتل القاري. وقال شولتس بمناسبة خطاب تقديم مشروع ميزانية الحكومة أمام البرلمان: "سنتمكن من مواجهة أولئك الذين يريدون تحقيق مكاسب سياسية من خلال إثارة الذعر أو سيناريوهات التدهور".

تخصيص شولتس فقرة كاملة في خطابه لحزب "البديل" مؤشر على تنامي القلق لدى النخب السياسية الديموقراطية في ألمانيا تجاه حزب صنفه مكتب حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في خانة اشتباه بالتطرف ومن ثم فهو يخضع لمراقبة الجهاز.

غير أن صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" (السادس من سبتمبر/ أيلول 2023) حملت جزء من المسؤولية للأحزاب التقليدية التي عجزت عن وقف الهجرة غير النظامية، التي لم تعد تحظى بقبول غالبية السكان. وإذا عجزت الأحزاب التقليدية عن التحرك، فسوف يستمر حزب البديل من أجل ألمانيا في اكتساب الشعبية. "إن التوصل إلى ميثاق لسياسة جديدة للهجرة لا يقل أهمية عن ميثاق الحد من البيروقراطية". تقول الصحيفة.

المعارضة المسيحية تستبعد أي تحالف مع "البديل"

أكد زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتس في أكثر من مناسبة استبعاده التحالف أو التعاون مع حزب "البديل" على كل المستويات السياسية. وفي آخر تصريح له حول الموضوع للقناة الأولى للتلفزيون الألماني (27 آب/أغسطس 2023) قال ميرتس: "لدينا قرارات واضحة في حزبنا: لا تعاون مع حزب البديل، لا في برلمانات الولايات ولا في المجالس المحلية". وسبق أن أثار ميرتس في تصريحات سابقة وصفت بالغامضة، حول إمكانية التعاون مع حزب البديل على مستوى البلديات، تصريح فسر على أنه نوع من التمييع لعقيدة الحزب التي تحرم أي شكل من أشكال التعاون مع اليمين المتطرف الشعبوي. تصريحات ميرتس أثارت في حينها موجة من الانتقادات امتدت إلى صفوف حزبه. وكان ميرتس قال في تلك التصريحات إنه "في حال انتخاب رئيس دائرة بلدية من حزب البديل في ولاية تورينغن وعمدة من حزب البديل في ولاية سكسونيا-آنهالت، فهذه هي الانتخابات الديمقراطية، وعلينا أن نقبل بهذا، ويتعين بالطبع على البرلمانات المحلية أن تبحث عن طرق حول كيفية العمل على تشكيل إدارة المدينة والولاية والدائرة بشكل مشترك".

"نويه تسوريخه تسايتونغ" (25 تموز/يوليو 2023)، ذهبت في اتجاه آخر واعتبرت أن الواقعية السياسية قد تجبر في المستقبل الأحزاب المحافظة على التعاون بشكل من الأشكال مع "البديل" خصوصاً إذا استمر في اكتساب مزيد من القوة. "ربما تعود الشعبية المتزايدة لحزب البديل من أجل ألمانيا في المقام الأول إلى الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحكومة الاتحادية في برلين. غير أن ذلك يؤثر في كينونة وجوهر الحزب الديمقراطي المسيحي، فإذا تفوق عليه البديل بنسبة نقطتين مئويتين فقط، وتراجع هو في الاتجاه المعاكس بنفس النسبة، فسيتم خلط جميع الأوراق. لذلك كان نداء ميرتس لمزيد من الواقعية في التعامل مع الحزب على مستوى البلديات معقولاً. وفي نهاية المطاف، يتعين على السياسة أن تأخذ في الاعتبار الأغلبية المحلية التي تحددها الديمقراطية. إن حزب البديل الذي يتجنبه الجميع دون استثناء، يمكن أن يصبح في يوم من الأيام قوياً إلى الحد الذي سيمكنه من تجاوز هذا التجاهل".

هل أصبح حزب البديل اليميني الشعبوي المعادي للهجرة "صانع الملوك" في ألمانيا؟

قوة "البديل" من ضعف الأحزاب العتيدة؟

يعتقد الكثير من المراقبين للمشهد السياسي الألماني أن الشعبية المتنامية لحزب البديل، لا تكمن في قوته الذاتية وإنما في ضعف الأحزاب التقليدية العتيدة التي لا تملك حلولاً للأزمات الكبرى التي تهز المجتمع الألماني والعالم. فكل من كان يعتقد أن حزب "البديل" مجرد ظاهرة عابرة عليه أن يعترف اليوم بأن هذا التنظيم السياسي يكتسب قوة متنامية وزخماً متزايداً في معظم المناطق الألمانية. النجاحات الانتخابية والشعبية المتزايدة وفق استطلاعات الرأي ترافقها ردة فعل كل الأطياف السياسية في مزيج بين الذعر والعجز.

وتتعالى أصوات من اليسار تدعو لتصنيف الحزب الشعبوي في خانة الفاشية بل وحظره، إذا اقتضى الأمر. غير أن خطوة كهذه ستزيد من شعبيته وتجعله "ضحية للنظام القائم". فالأسلوب الصحيح هو مقارعته بأدوات الصراع الديموقراطي والتباري الفكري وفق ضمانات دولة العدل والقانون. وذلك ما سيضمن فعلاً تماسكاً أفضل للمجتمع الألماني. وهذا ما ذهبت إليه صحيفة "كولنه شتات أنتسايغر" (السادس من أيلول/سبتمبر2023) التي كتبت معلقة "إذا كان المستشار أولاف شولتس يسعى حقاً لبلورة ميثاق يكون ذا فائدة للتماسك الاجتماعي ويرسل أيضاً إشارة واضحة إلى أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا، فيتعين عليه أن يشرك التكتل المسيحي في مشروعه. وإذا ما تبين أن تصاعد شعبية حزب البديل في استطلاعات الرأي، هو أمر مؤقت، فسوف يكون لزاماً على ألمانيا أن تعتاد على ائتلافات متعددة الشركاء".

ارتباك هوية المحافظين وتقدم "البديل"؟

هناك من يعتبر أن الارتباك في الهوية والعقيدة السياسية للتكتل المسيحي الذي يضم الحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي (البافاري) سبب في تقدم حزب "البديل"، حيث كان التكتل يعتبر نفسه سداً منيعاً في وجه اليمين المتطرف. غير أن تنامي قوة الأخير تشكل تحدياً غير مسبوق للمشهد السياسي الألماني كما تم ترسيخه بعد الحرب العالمية الثانية. فلعقود تظلت مقولة شهيرة لفرانز جوزيف شتراوس، أحد الوجوه التاريخية للحزب الاجتماعي المسيحي (البافاري)، مرجعية أساسية للمعسكر المحافظ في ألمانيا بشكل عام. وهي مقولة تقوم على عدم وجود أي قوة سياسية تتمتع بالشرعية الديمقراطية على يمين التكتل المسيحي، غير أن النجاحات الانتخابية المتتالية لحزب "البديل" باتت تضع مقولة شتراوس على المحك.

وبهذا الصدد كتب غريغور بيتر شميتز، رئيس تحرير أسبوعية "شتيرن" (17 حزيران/يونيو 2023) محذراً من إن ألمانيا ليست دولة غربية عادية، بل هي دولة ذات تاريخ خاص للغاية. "عبارة لن يحدث ذلك مرة أخرى هي جزء من الثوابت والضرورات التأسيسية للجمهورية الاتحادية، لذا فإن التسامح تجاه اليمين المتشدد ليس خياراً وارداً. ينصح المؤرخ أندرياس فيرشينغ بالتعامل مع الشعبويين بالقول: "ينمو رأس المال السياسي حين يقول شخص ما يعنيه ويفعل ما يقوله".

فاز روبرت زيسلمان برئاسة بلدية زونيبرغ في ولاية تورينغن ليصبح بذلك أول عضو من حزب البديل يتسلم هذا المنصب
فاز روبرت زيسلمان برئاسة بلدية زونيبرغ في ولاية تورينغن ليصبح بذلك أول عضو من حزب البديل يتسلم هذا المنصبصورة من: Karina Hessland/IMAGO

سابقة: الفوز بأول بلدية ألمانية

روبرت زيسلمان هو اسم أول رئيس لدائرة بلدية من حزب البديل من أجل ألمانيا، ويتعلق الأمر ببلدية زونيبرغ في ولاية تورينغن في شرق ألمانيا. الحدث خلق في حينه ضجة إعلامية وسياسية كبيرة بعد ما تم انتخاب زيسلمان في نهاية يونيو/ حزيران الماضي. وأثارت هذه السابقة ضجة وغضباً في كل أنحاء ألمانيا. ويضم مجلس بلدية زونيبرغ أربعين عضواً إلى جانب رئيس المجلس، ويمتلك الحزب المسيحي الديمقراطي أقوى كتلة في المجلس بعشرة أعضاء يليه حزب البديل بتسعة أعضاء. ويشغل زيسلمان منصبه الجديد بالفعل منذ أوائل يوليو/ تموز الماضي بموجب اللوائح البلدية في تورينغن، وقام المكتب الإداري المحلي في الولاية بمراقبة ولائه للدستور وأسفرت المراقبة عن إمكانية شغل زيسلمان لمنصب رئيس دائرة زونيبرغ.

صحيفة "برلينه تسايتونغ" (21 حزيران/يونيو 2023) كتبت معلقة "يطارد شبح حزب البديل من أجل ألمانيا البرامج الحوارية في ألمانيا، ويفرض نفسه على مؤتمرات الأحزاب وفي قاعات تحرير وسائل الإعلام. في مرحلة ما كان يمكن تجاهل هذا الحزب، فخلال الانتخابات الاتحادية، تراجع الحزب بنسبة 2.3 نقطة مئوية مقارنة بنتائجه في عام 2017. بدا الأمر وكأنه قد استقر عند ذلك الحد، وربما سيختفي تماماً مرة أخرى وفق يعض المضاربات، كان هذا هو الأمل الخفي للكثيرين (..) لكن الخوف من "البديل" عاد بسبب استطلاعات الرأي الثابتة التي حقق بموجيها حوالي 20 في المائة".

حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد