1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل بات خيار الدولة المدنية هو الأفضل للعالم العربي؟

١٥ أغسطس ٢٠١٨

فجر خطاب الرئيس التونسي الكثير من الجدل حول الدولة المدنية ودور الدين في تونس وخارجها أيضا. فتونس قد تصبح أول دولة عربية تفصل الدين عن الدولة وتضعه في مكان مغاير لما اعتادت عليه الشعوب العربية. فهل يمكن تطبيق ذلك؟

https://p.dw.com/p/33E3b
Tunesien Frauen protestieren gegen die Regierung in Tunis
صورة من: picture-alliance/abaca/F. Nicolas

الدين في الدساتير العربية .. عبارات فضفاضة ونصوص متباينة

"ليس لنا علاقة بحكاية الدين ولا حكاية الآيات القرانية .. نحن نتعامل مع الدستور ونحن في دولة مدنية والقول بأن مرجعية الدولة التونسية هي مرجعية دينية هو خطأ فاحش". كان هذا ما قاله الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي على خلفية تعديلات قانونية مثيرة للجدل ليس في تونس وحدها وإنما في العالم العربي بشكل عام. على جانب آخر يرى كثيرون أن فكرة الإسلام السياسي لحكم المجتمعات قد فشلت وأنه قد حان الوقت لتجربة الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة.

فشل الفكرة أم فشل التطبيق؟

الكاتب والباحث المغربي أحمد عصيد، يرى أن فكرة الدولة الدينية أو التي تستمد تشريعاتها من الإسلام هي فكرة فاشلة لم ولن تنجح، وخلال مقابلة له مع DW عربية أشار إلى ذلك بما حدث في مصر والذي يراه أكبر دليل على فشل الفكرة والتطبيق حيث يعتقد أن الإخوان المسلمين في مصر لم يتقبلوا فكرة التعاون مع الآخر، "فبعد فوزهم في الانتخابات أقصوا كافة التيارات الفكرية والدينية الأخرى، ما أدى لخروج الناس عليهم في النهاية واستغل العسكر ذلك فأزاحوهم من الحكم ووصلنا إلى المشهد الحالي في مصر".

أما الدكتور محمد المختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في قطر، فيرى أن الفشل في تطبيق الفكرة لم يكن بسبب التيارات الإسلامية وإنما في التيارات العلمانية، التي يرى أنها تصر على ألا يقع تحول ديمقراطي إذا كان ذلك سيؤدي إلى أي حضور للإسلام في الشأن العام "لذا تقوم بما يشبه الفيتو ضد المسار الديمقراطي بل إن بعض هؤلاء يكرهون الإسلام أكثر مما يحبون الحرية".

Sinai
أحمد بان: المشكلة الحقيقية هي في بنيوية تيارات الإسلام السياسي في العالم العربيصورة من: Ahmed Ban

أحمد بان الباحث المصري والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، يقول في حواره مع DW عربية، إن فشل تجربة الإسلام السياسي في العالم العربي أمر واقع ربما أفلت منه تيار الإسلام السياسي في تونس إلى حد ما بسبب محاولته التكيف مع واقع الدولة المدنية ومع إيقاع التحولات فيها "لكن لا يمكن رغم ذلك التحدث عن انتهاء كامل لهذا الفكر أو التصور بالنظر إلى أنه لايزال يتغذى على المظلومية في بقاع أخرى من العالم العربي والإسلامي كما حدث في مصر".

ويرى الباحث المصري أن الإخوان في مصر عندما وصلوا إلى الحكم رفضوا أن تشارك قيادات غير محسوبة عليهم في تشكيل الحكومات رغم افتقارهم للقدرات الفنية لإدارة دولة بحجم مصر. وظل معيار الثقة هو الغالب على اختياراتهم "ما يعني أن هذه الجماعات تتجمل من الخارج بأصباغ قبول الديمقراطية والتنوع، لكن هذه الأصباغ في الحقيقة لم تصمد لعام واحد من الحكم في مصر مثلاً".

الإسلام في الدساتير العربية.. مغازلة الأنظمة للشعوب؟

الملاحظ أنه في أغلب دساتير الدول العربية توجد مواد تتحدث عن أن الإسلام مصدر أو المصدر –بأل التعريف- للتشريع، ما يعني ضرورة توافق كافة تشريعات الدولة مع الدين الإسلامي.

في هذا الشأن يرى الباحث المصري أحمد بان، أن ذلك ما هو إلا توظيف للدين من قبل الأنظمة التي هي في أغلبها أنظمة مستبدة. لكنه يرى أن هذا الاستغلال لم يكن حكراً على الأنظمة الحاكمة في العالم العربي وحده وإنما امتد لتيارات الإسلام السياسي التي تتحدث دائماً عن مقاومة الاستبداد  "بالرغم من أنها تبشر بلون آخر من ألوان الاستبداد".

أحمد عصيد الكاتب والباحث المغربي، يرى أن هذا الأمر "خطا فادح لأنه لا يمكن في إطار الدولة الحديثة أن يكون كتاب ديني مصدرا للتشريع وإنما يجب أن يكون التشريع مدنياً ووفق التوافقات السياسية، وأن تكون القوانين وضعية قابلة للتعديل حسب المصلحة والتطور. أما عندما تقحم النصوص الدينية الثابتة في الموضوع فهي تتعارض مع الواقع المتغير. والنتيجة تكون كارثية فلا يمكن لما هو ثابت أن يؤثر على ما هو متغير". ويرى عصيد أن عبارة مثل الإسلام مصدر التشريع هي عبارة وضعتها الأنظمة المستبدة للتوازنات السياسية ولاسترضاء الشعوب وللحفاظ على استقرارها.

Marokko
أحمد عصيد: لا يمكن في إطار الدولة الحديثة أن يكون كتاب ديني مصدرا للتشريعصورة من: DW

ويرى الدكتور الشنقيطي أن المبالغة في التخويف من هذا الأمر لا معنى له لأنه "في أعرق الديمقراطيات الغربية الدين متغلغل في الدولة، ففي النرويج والسويد توجد نصوص تتحدث عن الكنيسة اللوثرية وفي عدد من دول أمريكا الجنوبية توجد مواد تنص على أن الكاثوليكية هي الديانة الرسمية للدولة" فهذا النوع من الضجيج حول الإسلام ليس منصفاً وهو عائق أمام المسار الديمقراطي، الشنقيطي الذي يضيف بأن "الديمقراطية هي حكم الشعب وهذا الشعب لا يمكن تجريده من منظومته القيمية سواء دينية أو غير دينية. فإذا كانت الشعوب متدينة ومحافظة فمن الطبيعي أن تصطبغ قوانين تلك الدولة بالدين".

دولة مدنية.. تستوعب الجميع؟

يدفع أنصار فكرة الدولة المدنية التي لا تعتمد في تشريعاتها على الإسلام كمصدر للتشريع، بأنها هي الضامن للاستقرار وأنها تستوعب معتنقي كافة الديانات المختلفة والتيارات الفكرية المتعددة بعكس ما يمكن أن تفعله دولة تقوم على أسس دينية أو يحكمها الإسلام السياسي.

هذا ما يراه الباحث أحمد عصيد، والذي يقول في حواره مع DW عربية، إن الإطار السياسي الوحيد الذي يمكن من خلاله وجود تعددية دينية أو فكرية هو الإطار الديمقراطي العلماني، أما خارجه فلا يمكن احتواء هذه الصراعات بشكل سلمي "لأن الأنظمة الدينية تغذي الكراهية باسم الدين، بعكس الإطار العلماني الذي يساوي بين المواطنين".

أما الباحث أحمد بان، فيرى أن المشكلة الحقيقية هي في بنيوية تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي والتي لديها خطابان، "خطاب تصدره للمجتمعات الغربية وللنخب الليبرالية والعلمانية وتتحدث فيه عن فكرة التعايش والقبول بالآخر وقبول التنوع وخطاب آخر داخلي فيه تعالٍ على الأفكار الأخرى، وهي نفسها لم تقبل التنوع داخلها لكي تقبل بتنوع آخر".

هل يقبل الشارع العربي بالدولة المدنية؟

Präsidentschaftswahlen Tunesien
صورة من: Getty Images/AFP/B. Taieb

يرى أحمد عصيد الكاتب والباحث المغربي، أن الأمر يتوقف على وجود رغبة سياسية ووجود تربية وتأهيل للمجتمع "فما يجنيه التونسيون اليوم هو نتيجة تربية وبناء تم منذ المرحلة البورقيبية لسنوات طويلة بعد الاستقلال، حيث كانت هناك إرادة لدى النخبة والطبقة الحاكمة في تونس لتأهيل المجتمع وإخراجه من ظلمات الجهل إلى المعرفة والمدنية".

أما الدكتور الشنقيطي فيرى أنه لا توجد دولة دينية في الإسلام من الأساس، لأنه "ليس هناك سلطة هيكلية دينية موازية للدولة ومنافسة لها من أجل السيطرة على الناس" وما يحتاجه المسلمون هو "تحرير المسجد من الدولة وليس تحرير الدولة من المسجد" لان الدولة ليست خاضعة للمسجد في الإسلام.

عماد حسن

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد