1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

آثار الحرب العالمية الأولى على الشرق الأوسط مستمرة

كيرستن كنيب/ أخيم زيغيلو٧ يونيو ٢٠١٤

خلال الحرب العالمية الأولى كان الشرق الأوسط لعبة في أيدي الدول الأوربية الكبرى. وعلى أساس وعود كاذبة حاولت أوروبا كسب القادة العرب إلى جانبها. آثار هذه السياسة مازالت ملحوظة إلى يومنا هذا.

https://p.dw.com/p/1CBnF
Britische Truppen in Mesopotamien, 1. Weltkrieg
صورة من: Getty Images

في تونس والقاهرة ودمشق وصولا إلى صنعاء، خرج الناس مطلع عام 2011 إلى الشوارع للاحتجاج على الحكام المستبدين مطالبين بتغييرات سياسية طال انتظارها. ولكن خلف تلك المطالب يختبئ دافع آخر، كما يقول الفيلسوف التونسي عبد الوهاب المدب في كتاب له حول ربيع تونس. إن المحتجين يتطلعون لبداية عصر جديد، مشيرا إلى أنه يمكن مقارنة ما حققه العرب عام 2011 مع الثورة الفرنسية أو سقوط جدار برلين. ويضيف المدب: "مع وصول العرب والمسلمين إلى مملكة الحرية يشهد العالم بداية جديدة للتاريخ، فلا شيء سيكون أبدا كما كان في السابق".

في واقع الأمر يمكن اعتبار الربيع العربي بداية سياسية جديدة، زاخرة بمقتنعات وإيديولوجيات تعود أصولها إلى بدايات القرن العشرين أو بالأدق إلى الحرب العالمية الأولى. فالبرغم من أن سكان الشرق الأوسط، على خلاف الأوربيين، لم ينخرطوا في معارك طاحنة، إلا أن آثار الحرب وصلت إليهم وبقوة. ويمكن القول إن الحرب العالمية الأولى لم تؤثر في أي منطقة كما أثرت في الشرق الأوسط، حيث قلبت تلك المنطقة رأسا على عقب.

Erster Weltkrieg Schlacht bei Gallipoli 1915
هجوم على الجيش العثماني: قوات بريطانية وفرنسية في معركة غاليبوليصورة من: Hulton Archive/Getty Images

تحرير من "الهيمنة التركية"

في عام 1914، كانت الدول العربية الحالية ولايات تابعة للإمبراطورية العثمانية. وفي القرن التاسع عشر بدأت القوة التركية تضعف وباتت الإمبراطورية مهددة بالانهيار. ولذا وافق حاكم القسطنطينية على عرض القيصر الألماني بتقديم الحماية للدول العثمانية. ومقابل ذلك تعهد العثمانيون بالقتال إلى جانب ألمانيا في حال اعتداء روسيا عليها.

وهذا ما دفع بريطانيا وفرنسا إلى خطب ود الحكام العرب واستمالتهم للمشاركة في القتال بهدف الاستقلال عن القسطنطينية. "سيؤدي تحالفنا إلى طرد الأتراك من البلدان العربية وتحرير مواطنيها من السيطرة التركية"، كما كتب الدبلوماسي البريطاني هنري مكماهون عام 1915 في رسالة إلى حاكم مكة الشريف حسين بن علي، الذي وافق على العرض وأطلق بعدها بسنة ما يعرف بـ"الثورة العربية الكبرى"، وبدأ العرب بالسيطرة على مناطق واسعة من الإمبراطورية العثمانية.

وبالمقابل حاولت برلين أيضا استمالة القادة العرب إلى جانبها، وذلك من خلال "مركز أخبار الشرق"، وبجهود مديره عالم الآثار ماكس فون أوبنهايم، الذي قال يومها: "يجب على قناصلنا في تركيا والهند وعلى جواسيسنا وغيرهم الدفع بالعالم الإسلامي بأسره إلى التمرد على هذه الكتلة من التجار الكاذبين بلا ضمير .. على الأقل يجب أن تفقد بريطانيا الهند". مغزى هذا الكلام واضح: وهو أن المحافظات العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية مجرد لعبة في أيدي الاستعمار الأوربي.

Auda ibu Tayi Krieg der Propaganda
عودة أبو تايه أحد قادة الثورة العربية على العثمانيينصورة من: public domain

نشأة حدود مصطنعة غير طبيعية

كلا الدولتين، أي ألمانيا وبريطانيا، انتهجتا سياستهما بدون أي اهتمام بمصالح سكان المنطقة. ويتضح ذلك أيضا من خلال اتفاقية سايكس بيكو في أيار/مايو عام 1916، والتي اتفقت فيها بريطانيا وفرنسا على توزيع المناطق العربية المستقلة عن العثمانيون، وذلك على أساس تجاهل تام لوعود الدولتين بضمان استقلال المناطق العربية.

وتم على أساس الاتفاقية رسم حدود جديدة. وبموجها تحكم بريطانيا أراضي الأردن والعراق اليوم وقسما من إسرائيل، في حين تحكم فرنسا سوريا ولبنان. وفلسطين تخضع لإدارة دولية. وتأسست هناك بعد سنوات قليلة من ذلك دولة إسرائيل.

وهكذا نشأت فجأة دول وحدود جديدة تفصل بين مناطق كانت مرتبطة ببعضها حتى ذلك الحين. وبهدف تعويد مواطني الدول الجديدة على تغير الوضع، تحدد الدول المستعمِرة معايير تمكنهم من تعريف هويتهم، وذلك بشكل خاص على أساس انتمائهم إلى مجموعة معينة على أسس عدة أهمها الأساس الديني. وكما تقول المؤرخة ليلى دخلي، نشأت في هذه الفترة سياسة بخصوص تحديد الهوية: الناس صاروا يصنفون أنفسهم على أنهم سنة أو شيعة أو مسيحيين كاثوليك أو أرثوذكس. وتضيف دخلي: "صار المرء يجد نفسه مجبرا على إيجاد مكان ضمن مجموعة. الحاجة للبحث عن هوية صارت أمرا استراتيجيا متعمدا".

Ägypten drei Jahre Haft für Oppositionelle
الطريق الطويل نحو الحرية: معارضون علمانيون مصريون أثناء محاكمتهم في نهاية عام 2013صورة من: Getty Images/AFP

هويات مميتة

وهكذا انتشر منطق الانتماء إلى مجموعة معينة كانتشار النار في الهشيم في كل أنحاء الشرق الأوسط. لقد دفعوا الناس إلى اتباع منطق "إما صديق أو إما عدو". ولا يبقى في ذلك مجال لما بينهما، كما يقول المؤرخ اللبناني جورج قرم، الذي يضيف "صار المرء لا يُقيم جاره، الذي يعيش معه منذ فترة طويلة، على أساس سلوكه، وإنما ينظر إليه على أنه الآخر الذي يهدد هويته الخاصة".

إنها "الهويات المميتة"، كما وصفها الكاتب اللبناني أمين معلوف. وخضعت هذه الهويات للنقاش مع اندلاع الثوارت في عام 2011. ولكن بعد ثلاث سنوات من انطلاقة هذه الثورات صار العالم ينظر بتفاؤل أقل إلى الشرق الأوسط. فمخلفات الحرب العالمية الأولى ثقيلة جدا. ومائة عام من منطق الانتماء إلى المجموعة، لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات